صفات صاحب القدوة وبمن تقتدى ؟

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

لن نجد أعظم ولا أفضل من المنهج النبوى الفريد فى التعليم والتربية، لقد راعى النبي- صلَّى الله عليه وسلَّم - من المبادئ التربوية ما هو غاية فى السمو الخلُقى والكمال العقلى - وذلك فى تعليقه على ما صدر من بعض الصحابة رضى الله عنهم.

كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - تحدث أمامه أحداث، فينتهز مشابهة ما يرى لمعنًى معينٍ يريد تعليمه للصحابة، ومشاكلته لتوجيه مناسب يريد بثَّه لأصحابه، وعندئذ يكون هذا المعنى،

وذلك التوجيه أوضح ما يكون فى نفوسهم - رضوان الله عليهم - ومن ذلك ما رواه عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - قال: قدِم على النبى - صلى الله عليه وسلم - سبْيٌ، فإذا امرأة فى السبى قد تحلب ثدياها تسعى،

إذا وجدت صبيًّا فى السبي، أخَذته فألصَقته ببطنها، وأرضعته، فقال لنا النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أترون هذه طارحةً ولدَها فى النار؟)) قلنا: لا، وهى تقدر على ألا تطرحه، فقال: ((لله أرحمُ بعباده من هذه بولدها))[البخارى رقم (5999)].

وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - مثل الوالد للمؤمنين، يعلِّمهم شفقة بهم، فقد قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنما أنا لكم بمنزلةِ الوالد أعلِّمكم؛ فإذا أتى أحدكم الغائط، فلا يستقبل القِبلة، ولا يستدبرها، ولا يستطب بيمينه))[ أبو داود (8)].

وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسعى دائمًا لترسيخ تلك المعانى فى نفوس الصحابة، فنراه يقول فى موطن آخر: ((وفى بُضْع أحدكم صدقة)) قالوا: يا رسول الله، أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: ((أرأيتم لو وضعها فى حرام، أكان عليه فيها وزرٌ؟ فكذلك إذا وضَعها فى الحلال كان له أجر))[ مسلم، كتاب الزكاة (53)].

ومن هدى رسول الله: ألا ىستخدمَ القول المباشر فى تعليم الناس، إنما يخاطبهم بعموم القول؛ كيلا يشعر أحدا بالحرَج حدث هذا فى مواقف عدة، أشهرها: عندما جاء نفرٌ من الصحابة يريدون معرفة كيفية عبادة النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - وصلاته،

فسألوا أزواج النبى - صلى الله عليه وسلم - عن عمله فى السر، فأخبرتهم زوجات النبى - صلى الله عليه وسلم - أنه يصوم أحيانًا ويُفطر أحيانًا، وينام بعضًا من الليل،

ويصلِّى بعضه، فقال بعضهم لبعض: هذا رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد غُفِر الله له ما تقدَّم من ذنبه، ثم اتخذ كل واحد منهم قرارًا، فقال أحدهم: أنا لن أتزوَّج، وقال الآخر: وأنا سأصوم دائمًا، وقال الثالث: وأنا لا أنام الليل، فبلغ النبى - صلى الله عليه وسلم - ما قالوه، فقام على مِنبره، فحمد الله وأثنى عليه،

ثم قال: ((ما بال أقوام قالوا: كذا وكذا، لكنِّى أُصلي، وأنام، وأصوم، وأفطر، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنَّتي، فليس مني))[ متفق عليه].

وفى يوم آخرَ لاحَظ النبى - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن رجالًا من المصلين معه يرفعون أبصارهم إلى السماء فى أثناء صلاتهم، وهذا خطأ؛ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فى صلاتهم))،

فلم ينتهوا عن ذلك واستمرُّوا يفعلونه، فلم يفضَحهم أو يسمِّهم بأسمائهم، وإنما قال: ((لينتَهُنَّ عن ذلك، أو لتُخطفنَّ أبصارُهم))[ رواه البخاري].

هكذا كانت طريقته - صلَّى الله عليه وسلَّم - مليئةً بالحب والرحمة والشَّفقة بأمته وبجميع البشر، فسلامًا وصلاة عليك أيها المبعوث رحمةً للعالمين.