الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
هو عمرو بن عبد الله بن ذي يحمد، المشهور بـ "أبي إسحاق السبيعي" نسبة إلى "سبيع" جده البعيد، من أكابر حفاظ مدينة الكوفة في العراق، ومن أعظم علمائها الذين رووا الحديث، وأفنوا أعمارهم في سبيله.
ولد في خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه، وبالتحديد سنة (34 أو 35هـ) فأدرك بذلك كثيرا من الصحابة الحفاظ لهذا تأثرت شخصية أبي إسحاق السبيعي بأئمة الهدى والدين، فاجتهد في طلب العلم والأخذ عن الشيوخ، وكثر شيوخه الذين روى عنهم حتى بلغوا العشرات.قال علي بن المديني رحمه الله: "حفظ العلم على الأمة ستة: فلأهل الكوفة: أبو إسحاق والأعمش، ولأهل البصرة: قتادة ويحيى بن أبي كثير. ولأهل المدينة: الزهري، ولأهل مكة عمرو بن دينار.
فلم يكن أهل العلم يقدمون على أبي إسحاق أحدًا من أهل طبقته.
واشتهر أبو إسحاق بالإمامة في الدين، والتقوى والزهد والعبادة، فكان يختم القرآن الكريم في كل ثلاثة أيام مرة، فقد أخذ القرآن عن أبي عبد الرحمن السلمي، حتى صار إماما في القراءة أيضا، وهو أكبر شيوخ القارئ المعروف حمزة بن حبيب الزيات.
وكان صواما قواما لا ينام من الليل إلا قليلًا، وقد حكى ذلك عن نفسه رحمه الله فقال: ((ما أقلت عيني غمضا منذ أربعين سنة))، وحكى ابنه يونس – الحافظ الكبير – عن أبيه أنه كان يقرأ كل ليلة ألف آية.
وأوصى مرة معشر الشباب فقال لهم : "يا معشر الشباب، اغتنموا – يعني قوَّتكم – قلما مرت بي ليلة إلا وأنا أقرأ فيها ألف آية، وإني لأقرأ البقرة في ركعة، وإني لأصوم الأشهر الحرم، وثلاثة أيام من كل شهر، والاثنين والخميس.
وتحلى بالأخلاق العظيمة، بالكرم والسماحة والوفاء والمروءة، فما سُمع يَعيبُ أحدا قط، ولا يتفاخر على الناس بعلمه، بل يتواضع ويقول : "وددت أني أنجو من علمي كفافًا".
وهكذا عرف بالعبادة والتقوى حتى قال من أدركه في زمانه: "كنت إذا رأيت أبا إسحاق ذكرت به الضرب الأول"، يعني الصحابة رضوان الله عليهم.
عن ابن فضيل قال: حدثني أبي قال: أتيت أبا إسحاق بعدما كفَّ بصره، قال: قلت: تعرفني؟ قال: فضيل؟ قلت: نعم، قال: إني والله أحبُّك، لولا الحياء منك لقبَّلتك، فضمَّني إلى صدره، ثم قال: حدثني أبو الأحوص عن عبد الله: {لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [الأنفال: 63] نزلتْ في المتحابين.
واستمر عطاء أبي إسحاق السبيعي في العلم والعمل على مدى ثلاث وتسعين سنة، حتى كبر في آخر عمره، وضعفت قوته، وابتلي بفقد البصر حتى كان يستعين بأبنائه في هداية الطريق، ومع ذلك بقي حافظا للحديث، مثابرا في تعليمه، ولم يأخذ عليه العلماء اضطرابا أو اختلاطا فاحشا، وإنما كما قال الإمام الذهبي رحمه الله : " هو ثقة حجة بلا نزاع وكانت وفاته سنة (127هـ)، وخرج الناس في جنازته بالمئات، وألقى الله على جنازته المهابة، حتى قال أمير الكوفة حين رأى كثرة الخلق المشيعين : (( كأن هذا فيهم رباني)).
أبو إسحاق السَّبِيعِي إمام الزهد والعبادة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة