بيوت تحفها الملائكة

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يقعد قوم يذكرون الله إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده)) [رواه مسلم].
فلماذا لا تكون أنت وزوجتك وأولادك من خير الأقوام، ومن خير الجلساء تحفكم الملائكة، وتغشاكم الرحمة، ويذكركم الله فيمن عنده، ويحصنكم بحصنه فلا يجد الشيطان لكم سبيلًا .

إن الأرض الطيبة التي يذكر الله فيها تنبت النبت الطيب الذي يحب الله ورسوله، ومن جلس مجلسًا لم يذكر الله فيه كان عليه حسرة يوم القيامة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من قوم يقومون من مجالس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم حسرة يوم القيامة)) [رواه أبو داود وصححه الألباني].

نموذجان بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم يذكرون الله، فتصير حياتهم نورًا واطمئنانًا ورحمة.
فاختر لنفسك ولبيتك وأسرتك مجلس الذكر والطاعة الذي يطهر بيتك من الشيطان، ويجعلها مهبطًا للملائكة والرحمات والغفران .

اجعل مجالسك مع زوجتك وأولادك مجالس ذكر ورحمة، ذكرهم بنعم الله، وعلمهم اللجوء إلى الله في الملمات .
ولعلنا نذكر الصحابي الذي قرأ القرآن في بيته وهو أسيد بن حضير:
في جوف ليلة من الليالي كان أسيد بن الخضير جالساً في مربده وابنه يحيى نائمٌ إلى جانبه وفرسه التي أعدها للجهاد في سبيل الله مرتبطة غير بعيد عنه.

فانطلق يتلو بصوته الرخيم الحنون :{ألم* ذلك الكتابُ لا ريب فيه هدىً للمتقين*الذين يؤمنون بالغيبِ ويقيمون الصلاةَ ومما رزقناهم ينفقون} [سورة البقرة] فإذا به يسمع فرسه وقد جالت جولة كادت تقطق بسببها رباطها؛ فسكنت القرس وقرت.

فعاد يقرأ: {أولـئك على هدىً من ربهم وأولئك هم المفلحون} [سورة البقرة] فجالت الفرس جولة أشد من تلك وأقوى، فسكت، فسكنت.

وكرر ذلك مرارًا فكان إذا قرأ أجفلت الفرس وهاجت وإذا سكت سكنت وقرت.

فخاف على ابنه يحيى أن تطأه فمضى إليه ليوقظه وهنا حانت منه التفاتةٌ إلى السماء فرأى غمامة كالمظلة لم تر العين أروع ولا أبهى منها قط، وقد علق علق بها أمثال المصابيح فملأت الآفاق ضياءً وسناءً وهي تصعد إلى الأعلى حتى غابت عن ناظريه.

فلما أصبح مضى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقص عليه خبر ما رأى فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: ((تلك الملائكة كانت تستمع لك يا أسيد ولو أنك مضيت في قراءتك لرآها الناس ما تستر منهم)).
لقد أمرنا الله عز وجل بذكره كثيرا وتسبيحه بكرة وأصيلا، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا}[الأحزاب:41، 42].

وأخبرنا في محكم كتابه وعلى لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم- أنه أعد الأجر العظيم والثواب الجزيل للذاكرين الله كثيرا والذاكرات فقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب:35].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: {ألا أنبئكم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم وأرفعها في درجاتكم وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فيضربُ أعناقكم وتضربوا أعناقهم، قالوا: بلى يا رسول الله قال: ذكر الله.} (رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني)
فمن أراد أن يكون من الذاكرين الله كثيرا، فعليه أن يقتدي في ذلك بنبينا صلى الله عليه وسلم، فكان يذكر الله في كل أحيانه، وعلى كل أحواله، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يذكر الله في كل أحيانه (رواه أحمد) .

وعليه أن يكون لسانه رطبا بذكر الله وقلبه عامرا بتعظيمه وإجلاله، فقد أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فباب نتمسك به جامع؟ قال: ((لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله عز وجل)) (رواه الترمذي وغيره وصححه الألباني).

وقال ابن مسعود- رضي الله عنه- في قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} فقال: ((أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر)) (رواه ابن أبي شيبة في مصنفه).

وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات)) (رواه أبو داود وغيره)، وفي رواية لغيره: ((كتبا ليلتئذ من الذاكرين)) الحديث صححه الألباني.

ذكر الله عز وجل يحمي من الشيطان الرجيم، وفي الحديث الذي رواه الترمذي وأحمد عن الحارث الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات أن يعمل بهن، وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فذكر أمرهم بالتوحيد والصلاة والصوم والصدقة، ثم ذكر الخامسة وهي ذكر الله عز وجل فقال: ((وآمركم أن تذكروا الله عز وجل، فإن مثل ذلك كمثل رجلٍ خرج العدو في أثره سراعًا حتى إذا أتى على حصن حصين فأحرز نفسه منهم، فكذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله عز وجل)).

قال ابن القيم: ((فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة لكان حقيقًا بالعبد أن لا يفتر لسانه عن ذكر الله عز وجل، وأن لا يزال لهجًا بذكره سبحانه، فإن العبد لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه عدوه إلا من باب الغفلة، فهو يرصد العبد، ويتربص به، فإذا غفل العبد وثب عليه وافترسه، فإذا ذكر العبد ربه انخنس عدو الله وتصاغر حتى يكون كالذباب ولهذا سماه المولى تبارك وتعالى الوسواس الخناس؛ لأنه يوسوس في الصدور، فإذا ذكر الله تعالى خنس وكف وانقبض وتصاغر، ولا يتسلط إلا على من عجز عن ذكر ربه من أولياء الشيطان الضالين المضلين)).

تأمل هذه المحاورة بين الله عز وجل وبين الملائكة، وفكر في قول الله تعالى: {فاذكروني أذكركم} وفي قوله في الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبرًا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)) (رواه البخاري).

وقوله: ((أنا مع عبدي إذا هو ذكرني وتحركت بي شفتاه)). (صحيح ابن ماجه).

وسل نفسك هل أنت مع ربك، وهل تحب أن يكون الله معك، وأن يذكرك في الملأ الأعلى من الملائكة، أم تريد أن تعرض عن الله، وأن ترضى بملازمة الشياطين ومصاحبتهم أعاذنا الله منهم، ولقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نعلم أولادنا ذكر الله :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ، فَقَالَ: ((مَا تَقُولُ يَا أَبَا أُمَامَةَ؟)) قُلْتُ: أَذْكُرُ اللَّهَ، قَالَ: ((أَفَلا أَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذِكْرِكَ اللَّهَ اللَّيْلَ مَعَ النَّهَارِ؟ تَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا خَلَقَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ مَا أَحْصَى كِتَابُهُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَدَدَ كُلِّ شَيْءٍ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ كُلِّ شَيْءٍ، وَتُسَبِّحُ اللَّهَ مِثْلَهُنَّ))، ثُمَّ قَالَ: ((تُعَلِّمُهُنَّ عَقِبَكَ مِنْ بَعْدَكَ))...نسأل الله العلي العظيم أن يصلح بيوتنا وأن يحصنا بحصنه ويحفنا بملائكته فلا يجد الشيطان لبيوتنا سبيلا.