منزلة النبى صلى الله عليه وسلم فى رحلة المعراج

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

إن فى الإسراء والمعراج المفهوم الحقيقى للمقام العالى لحضرة النبى صلى الله عليه وسلم عند ربه سبحانه وتعالى. وإن وجود البراق فى هذه الرحلة يبين شرعية الوسيلة للوصول إلى الله سبحانه وتعالى.
وإن ذكر البراق فى هذه القصة العجيبة هو الدليل على أن الإسراء والمعراج بالروح والجسد معا؛ ليمتنع الكلام فى أن الإسراء والمعراج كان فى الرؤيا المنامية؛ ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم عندما ركب الدابة وهى البراق ركبها بالجسد الذى كان يتنزه ويرى بعينيه من آيات ربه ببصره وسمعه.

وفى هذه الرحلة المباركة كان شق صدر النبى صلى الله عليه وسلم بأن جاءه رجلان هما من الملائكة، فشقّا صدره، وغسلاه بالنور، وانتزعا منه حظ الشيطان وقيل: إن شق الصدر عبارة عن طهارة للقلب الداخلى كالوضوء فى الصلاة، فكما أن الوضوء نتهيأ به للصلاة، فشق الصدر تهيئة للنبى صلى الله عليه وسلم لاستقبال الوحى وأوامر السماء ويحصن الله تعالى بعض عباده من الشيطان فلا يكون للشيطان سلطان عليهم. لذلك يقول الله تعالى: { إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً } (النساء: 76).

إن كيد الشيطان كان ضعيفا بالنسبة لمن يستخدم ما أمر الله به من صلاة وصوم وقراءة القرآن، وقوله: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وإن كيد الشيطان كان ضعيفا لأن الله سبحانه وتعالى أنزل لعباده آية الكرسى التى تمنع الشيطان من الكيد بالإنسان المسلم، فهى آية الحفظ من كل شيء، وإن كيد الشيطان كان ضعيفا لقوله تعالى: { إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (الإسراء: 65).

ولقد خُلق الإنسان ضعيفا، { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} (النساء: 28). أما عند لجوء الإنسان إلى ربه وحوله وقوته سبحانه وتعالى، ففى هذه الحالة يصبح قويا بالله تعالى لا بنفسه، وبذلك يكون كيد الشيطان له أضعف ما يكون.

لذلك كان كيد الشيطان ضعيفا لأن الله تعالى يعلم كيد أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة، وكان ضعيفا؛ لأن الله تعالى قد أعلم نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك الكيد، فأصبح ضعيفا، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لقى ألوان التعب فى طريق دعوته إلى الله تعالى وهذا يعطينا المثل فى التحلى بالصبر لتستمر على الإيمان والتقوى.

فيا ضعيف العزم اعلم أن طريق الإيمان ليس سهلا فقد تعب فيه آدم وناح من أجله نوح، وقذف فى النار إبراهيم الخليل، وكاد أن يذبح من أجله إسماعيل، وبيع يوسف بثمن بخس، ودخل من أجله السجن بضع سنين، ونُشر بالمنشار زكريا، وذُبح السيد الحصور يحيى، وقاسى الضر أيوب، وزاد على ذلك بكاء داود، ولقى النبى صلى الله عليه وسلم من قومه أنواع الأذى وزاده ذلك حزنا وألما أنه كان من أهله وقومه.
من كتاب ليالى الفضل فى القرآن للدكتور/ أحمد عبده عوض.