الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
حدثتك في برنامج معية الحبيب وإني متأثر بقول إبراهيم الخواص لأحد الخلفاء الكبار في العصر الأموي: "هذه قصورهم، وهذه قبورهم، كيف ستصبر على خشونة الثرى؟ "
ماذا أعددت لكي يتحول هذا الثرى إلى جنات ونهر؟يتحول هذا الثرى إلى بساتين في الجنة، ويختفي التراب، دُفنتَ في التراب ثم بعد فترة يختفي التراب، وتستقبلك الرياحين التي أشمها أحيانًا عندما أدفن بعض أحبابنا، تستقبلك روائح الجنة، كما ذكر المعصوم صلوات ربي وسلامه عليه، الكلام عن الموت كلام صعب، وأنا كنت مترددًا عندما أردت أن أتكلم عن هذا الموضوع العظيم، لأن الكلام عن الموت لا يتحمله كثير من الناس.. بعض الأثرياء يسكن في شقة مساحتها مائة وسبعون مترًا أو أكثر ويقول هذه ضيقة عليّ، أريد أن أشترى شقة أخرى أوسع منها، وهو لا يدرى أن القبر لن تتجاوز مساحته المتر ونصف المتر، فالقبر ضيق إلا على من وسعه الله عليه.
كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى حتى يبلل لحيته، فقيل له: تذْكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي من هذا؟ قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج فما بعده أشد منه".
أيها المسلمون.. إن عذاب القبر حق ووعد صدق، وإنه روضة من رياض الجنة للمؤمنين، أو حفرة من حفر النار للمجرمين.
وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم أناسًا يعذبون في قبورهم بسبب فعل بعض الذنوب والمعاصي.
ورأى عليه الصلاة والسلام تنّوراً فيه لغط وأصوات، وفيه رجال ونساء عراة يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب صاحوا.فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن هؤلاء ما شأنهم؟ فقيل له: إنهم الزناة والزواني.ورأى عليه الصلاة والسلام نهراً أحمر مثل الدم، وفيه رجل يسبح وعلى شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة كثيرة، وإذا ذلك السابح يسبح ما يسبح ثم يأتي ذلك الذي قد جمع عنده الحجارة، فيفتح له فاه فيلقمه حجراً، فينطلق فيسبح ثم يرجع إليه، كلما رجع إليه فتح له فاه فألقمه حجراً. فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك الرجل. فقيل له: إنه آكل الربا، هذا عذابه في البرزخ، أجارنا الله من عذاب القبر.
هذه أيها المسلمون أمثلة لمن يعذبون في قبورهم ممن ارتكبوا بعض الذنوب والمعاصي.
فاتقوا الله تعالى وخافوا من عذابه، واعلموا أن مما ينجي العبد من عذاب القبر الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والمحافظة على صلاة الجماعة.بعض الأمور المنجية من عذاب القبر:
ومما ينجي من عذاب القبر الاستعاذة بالله من عذاب القبر دبر كل صلاة، فقد قال الأمين عليه الصلاة والسلام: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتة المسيح الدجال".ومما ينجى من عذاب القبر حضور الجنازات والصلاة على الموتى والاتعاظ بهم، لأن هذا يذكر الإنسان بالآخرة فيرق قلبه إلى التوبة لله رب العالمين.
ومما ينجى من عذاب القبر أيضًا كثرة التوبة لله تعالى في كل وقت وحين.
ومن الأمور المنجية من عذاب القبر الصلاة على أوقاتها والمحافظة على صلاة الجماعة وأيضًا الحفاظ على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار ختم الصلاة، وقراءة القرآن الكريم. ومما ينجي من عذاب القبر قراءة سورة تبارك الذي بيده الملك، فقد قال عليه الصلاة والسلام: "سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر".فتوبوا إلى ربكم جل وعلا ما دمتم في زمن الإمهال، وتقربوا إليه بما استطعتم من صالح الأعمال؛ لتسعدوا في الدنيا والآخرة.
قالالله تعالى: {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:88-96].
لن تستطيع أن تعود إلى الدنيا مرة ثانية، أنت الآن في عمل بلا حساب، فاعمل ليوم فيه يكون الحساب بغير عمل، وانظر ماذا قدمت لربك، وانظر ماذا قدمت لآخرتك، وانظر ماذا قدمت لظلمة القبر، وانظر ماذا قدمت لسكرات الموت.
كيف ستصبر على خشونة الثرى؟
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة