الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
في إحدى الروايات التي تدل على قدر المحبة والإنابة في قلوب الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما رواه الطبراني في الكبير أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار، فجعلها في صرة ثم قال لغلامه: اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تَشَاغَلْ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك، فقال أبو عبيدة: وصل الله عمر ورحمه، ثم قال: تعالي يا جارية، اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان، حتى أنفذها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فوجده قد أعد مثلها لمعاذ بن جبل، فقال: اذهب بها إلى معاذ وتشاغل في البيت حتى تنظر ماذا يصنع، فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في حاجتك، فقال: رحمه الله ووصله، تعاليْ يا جاريه، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، اذهبي إلى بيت فلان بكذا، فاطلعت امرأة هي امرأة معاذ وقالت: نحن والله مساكين فأعطنا، فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فرمى بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره، فسرّ بذلك فقال: ((إنهم إخوة بعضهم من بعض)).
ويروي عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصّامت قصة أخرى، قال: خرجت أنا وأبي نطلب العلم في هذا الحيّ من الأنصار، قبل أن يهلكوا، فكان أوّل من لقينا أبا اليسر، صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ومعه غلام له معه ضمامة من صحف وعلى أبي اليسر بردة ومعافريّ، وعلى غلامه بردة ومعافريّ، فقال له أبي: يا عمّ، إنّي أرى في وجهك سفعة من غضب، قال: أجل كان لي على فلان ابن فلان مال، فأتيت أهله فسلّمت، فقلت: ثمّ هو؟ قالوا:لا، فخرج عليّ ابن له جفر، فقلت له: أين أبوك؟ قال: سمع صوتك فدخل أريكة أمّي، فقلت: اخرج إليّ فقد علمت أين أنت، فخرج، فقلت: ما حملك على أن اختبأت منّي؟ قال: أنا واللّه أحدّثك، ثمّ لا أكذبك، خشيت، واللّه أن أحدّثك فأكذبك وأن أعدك فأخلفك وكنت صاحب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وكنت واللّه معسرا.
قال: قلت: آللّه! قال: آللّه! قلت: آللّه! قال: آللّه قلت: آللّه! قال: آللّه، قال فأتى بصحيفته فمحاها بيده، فقال: إن وجدت قضاء فاقضني، وإلّا أنت في حلّ.
فأشهد، بصر عينيّ هاتين (ووضع إصبعيه على عينيه)، وسمع أذنيّ هاتين، ووعاه قلبي هذا (وأشار إلى مناط قلبه) رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يقول: ((من أنظر معسرًا، أو وضع عنه، أظلّه اللّه في ظلّه)) [رواه مسلم (3006) ].
ويروى عن الواقدي قال: أضقت مرة، وأنا مع يحيى بن خالد، وحَضَر عيد، فجاءتني الجارية فقالت: ليس عندنا من آلة العيد شيء، فمضيت إلى تاجر صديق لي ليقرضني، فأخرج إلي كيساً مختوماً فيه ألف دينار، ومائتا درهم، فأخذْته، فما استقررت في منزلي حتى جاءني صديق لي هاشمي، فشكا إلي تأخر غلته وحاجته إلى القرض، فدخلت إلى زوجتي، فأخبرتها، فقال: على أي شيء عزمت؟ قلت: على أن أقاسمه الكيس، قالت: ما صنعت شيئاً، أتيت رجلاً سوقة، فأعطاك ألفاً ومائتي درهم، وجاءك رجل من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعطيه نصف ما أعطاك السوقة؟! فأخرجتُ الكيس كله إليه فمضى، فذهب صديقي التاجر على الهاشمي، وكان صاحبه، فسأله القرض، فأخرج الهاشمي إليه الكيس بعينه فعرفه التاجر، وانصرف إلي، فحدثني بالأمر.
قال: وجاءني رسول يحيى يقول: إنما تأخر رسولنا عنك لشغلي، فركبت إليه، فأخبرته أمر الكيس، فقال: يا غُلام هات تلك الدنانير، فجاءه بعشرة آلاف دينار، فقال: خذ ألفي دينار لك، وألفي دينار للتاجر، وألفين للهاشمي، وأربعة آلاف لزوجتك، فإنها أكرمكم.
الروايات التي تدل على قدر المحبة والإنابة في قلوب الصحابة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة