ماذا تريد أن يكون لك عند الله تعالى يوم القيامة؟

محاضرات
طبوغرافي

للإمام أبي حازم سلمة بن دينار رحمه الله
أيها الأحباب.. الكافر يوم القيامة لا ينتفع بعمله، قال تعالى: {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ}، ومهما قدّم من عمل لله تعالى فإنه مردود ولن يفيده بشيء، لأنه لم يؤمن بالله تعالى. وإن كان متصدقًا، وإن كان سخيًّا، وإن كان رحيمًا بالضعفاء والمساكين، لكنه لم يشهد لله في حياته بالوحدانية، ولم يؤمن بالرسل ولا باليوم الآخر.

أخى الكريم.. هذه الأرض شاهدة لك أو عليك، هذا الكتاب شاهد لك أو عليك، الدابّة شاهدة لك أو عليك، فانظر كيف تتعامل مع هذه الأشياء، أصحاب النبي صلوات ربي وسلامه عليه، كانوا يعملون للآخرة وليس للدنيا، إذا كانت الدنيا همك، ستبقى تدور في فلكها، ولن تأخذ منها إلا ما قدّر الله عزّ وجلّ لك.

أما إذا كانت الآخرة همك، فإن الله تعالى سيحميك من فتن الدنيا، وسيحميك من الناس، فالأعداء كثيرون.
اجعل بضاعتك فى الآخرة: {يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} [الأنعام: 52]، فإذا أظلمت ليلتك فأحيها بركعتين فإن هاتين الركعتين تضيئان لك فى قبرك. إذًا، ما أحببت أن يكون معك فى الآخرة فقدمه الآن، فأنت أحببت أن تكون من الصابرين، فزد من الصبر، وأن تكون من المقبولين، فزد من الأشياء التى تجعلك مقبولًا عند الله عزّ وجلّ.

إن الدنيا سوق وسينفضى، والموت يأتى بغتة، وأنت تعلم وأنا أعلم أننا كلنا مقصرون، وعندما يُنفخ فى الصور فليس هناك أنساب، وليس هناك أحساب، ولا شفاعات، ولا وساطات، لماذا أنت حريص أن تؤخّر نفسك؟
هل تريد أن يكون لك نور وبرهان ونجاة يوم القيامة؟
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "من سره أن يلقى الله غدًا مسلمًا فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهنّ فإن الله تعالى شرع لنبيكم صلى الله عليه وسلم سنن الهدى، وإنهنّ من سنن الهدى ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحطّ عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادي بين الرجلين حتى يقام في الصف، وفي رواية لقد رأيتنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد عُلم نفاقه، أو مريض إن كان الرجل ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة، وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه" رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه.

اجعل شعارك: "وعجلت إليك ربِّ لترضى "
قال الله تعالى: {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ * قَالَ هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ}
اختار موسى عليه السلام من قومه سبعين رجلًا حتى يذهبوا معه إلى الطور، ليأخذوا التوراة، فسار بهم ثم عجل وسارع موسى من بينهم شوقًا إلى ربه عزّ وجلّ، وخلّف السبعين، وأمرهم أن يتبعوه إلى الجبل.

فقال الله مخاطبًا موسى عليه السلام {وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَومِكَ يَا مُوسَىَ} أي وما حملك على العجلة حتى تركت قومك وخرجت من بينهم؟
قال موسى عليه السلام مجيبا لربه تعالى: {هُمْ أُوْلاءِ عَلَىَ أَثَرِي} أي هم بالقرب مني قادمون يأتون من بعدي، وسيصلون في أثري ينزلون قريبًا من الطور، {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىَ} وأنا سبقتهم لتزداد رضًا بمسارعتي إلى امتثال أمرك.

ما أجمله من ردّ وما أعظمه من تعبير وما أكرمه من شعار، حين تتعجّل في خطاك إرضاء لربك، فإنَّه ينبغي للمؤمن أن يُسارِع في الخيرات؛ فالعمر قصير، والأجَل قريب، وابن آدمَ لا يَدرِي متى يأتيه الموت، و المسارعة إلى الخيرات تعني المبادرة إلى الطاعات، والسبق إليها، والاستعجال في أدائها، وعدم تأخيرها.

قال - تعالى -: ﴿ لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ * يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [آل عمران: 113-114]
وقال - تعالى -: ﴿ وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [آل عمران: 133].

قال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ﴾ السابقون في الدنيا إلى الخيرات سبقوا في الآخرة إلى الجنات، فإن السبق هناك على قدر السبق هنا.

وكان - صلَّى الله عليه وسلَّم - يحثُّ أمَّته على المُسارَعة إلى الأعمال الصالحة؛ فإن المؤمن لا يَدرِي ما يَعرِض له من مرضٍ، أو فتنة، أو أجل.

روى مسلم في "صحيحه" من حديث أبي هريرة - رضِي الله عنْه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال(بادِرُوا بالأعمال فِتَنًا كقطع الليل المظلم؛ يُصبِح الرجل مؤمنًا ويُمسِي كافرًا، أو يُمسِي مؤمنًا ويُصبِح كافرًا، يبيع دينه بعَرَضٍ من الدنيا)