الإستاذ الدكتور /أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
أيها الأحباب الكرام.. إن المسلم قوي بالله تعالى، فمتى تحصن بحصنه المتين، واستنجد بكتابه المبين، وبسنة نبيه الصادق الأمين، فهو فى حفظ من الله تعالى، ولن يستطيع الشيطان أن ينال منه قدر أنملة بفضل الله تعالى.
إن الأمراض النفسية أيها الأحباب فى بدايتها يكون أمرها هينا، ومع الاستسلام لها يتحول الأمر إلى دمار لحياة الإنسان، وما كان الإيمان إلا مانعا للمسلم من هذه الأمراض.فالأمراض النفسية أحبابى الكرام تعطل حياة الإنسان، ونحن فى هذه السلسلة نستهدف علاج الوسواس القهرى والرهاب الاجتماعي، والانفصام، فكل الأمراض النفسية هي التى تعطل وتدمر حياة الإنسان، فيأتى الإيمان ليعطي الإنسان الطاقة الإيجابية.
التعوذات باب من أبواب الأمل والعزيمة:
عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: كنت أخدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كلما نزل، فكنت أسمعه يكثر أن يقول: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ)). فعلى الإنسان أن يتعوذ من الهمّ، وأن يصر على ذلك فالإصرار على الدعاء والإصرار على الطاعة يمكن الإنسان من التغلب على الشيطان، لأنه بذلك يصير قويا لا يستطيع الشيطان أن يتغلب عليه.فى الصباح تتعوذ بالله من الشيطان، فهذا يعطيك طاقة إيجابية، وقول: اللهم ما أصبح بى من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر.
النبي صلى الله عليه وسلم كان دائما ما يسأل ربه قوة البدن وعافية النفس، فعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يدع هؤلاء الكلمات إذا أصبح وَإذا أَمْسَى: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللَّهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ وَمِنْ خَلْفِي وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ مِنْ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تحتي)).
الشيطان يحبُّ أن يراك ضعيفا:
أيها الأحباب.. إن الشيطان له قدرة على التزين والإغواء، قال تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 39]، وقال تعالى: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [النساء: 119]. فاعلم أنك ما دمت قويا بالله فلن يستطيع ان يتغلب عليك مهما كانت قوته، ومهما كانت شدة غوايته، قال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير} [فاطر: 6]، كما أكد لنا جل وعلا أن الشيطان ضعيف أمام الإيمان بالله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
أساليب تقوية العزيمة:
* التوكل على الله: أرشدنا الله سبحانه لتقوية العزيمة بقوله سبحانه: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159]، وإنَّ مِن آثار عقيدة التوحيد في نفس المؤمن قوة العزم والصبر والثبات؛ لعلمه أن الله معه، وأنه مؤيده وناصره، فهو يردِّد قول الله تعالى: {حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} [آل عمران: 173] التي قالها إبراهيم عندما أُريدَ إلقاؤه في النار، ومحمد صلى الله عليه وسلم عندما خُوِّف بصناديد المشركين، وقول هود عليه السلام لقومه: {فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ. إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ} [هود: 55-56].* الدعاء: فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إني أسألك الثبات في الأمر، والعزيمة على الرشد)) رواه ابن حبان في صحيحه.
* الاقتداء بأصحاب العزائم من أهل الصلاح والدين: قال تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف: 35].
وقال تعالى في الاقتداء بالصالحين: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة: 4].
* مصاحبة أهل العزائم القوية، والهمم العالية: فالمرء على دين خليله، قال ابن تيمية: "الناس كأسراب القطا؛ مجبولون على تشبُّه بعضهم ببعض".
* تغيير العادات السلبية إلى أخرى إيجابية: فالسعي الحثيث لرفع العزيمة وتقويتها يبدأ بالرغبة في إصلاح مواطن الضعف في النفس، والصدق في تحويلها لمواطن قوة، ولهذا لم تمنع قاتل التسعة والتسعين نفسًا آثامُه من السعي للتغيير، بل لما أكمل المائة ما زال عازمًا على التوبة، فبحث وسأل، بل وترك ما يحبُّ من أهلٍ ووطنٍ في سبيل ما يرجو، حتى كانت العاقبة مغفرة الله ورضوانه.
لزوم الاستغفار والإصرار عليه:
قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33].
ومعنى الآية أن الله تعالى وضع مانعين لدخول الإنسان النار، أولهما وجود النبي صلى الله عليه وسلم بين الناس، والمانع الآخر وهو الاستغفار، ونحن اليوم أيها الأحباب ليس بيننا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن معنا الاستغفار الذى علمناه نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلقد قال: ((من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب)).
لا يزال لسانك رطبا بذكر الله:
ومن أساليب التغلب على المشاكل النفسية أيها الأحباب الكرام ذكر الله تعالى، فالله عز وجل تكفل بحفظ الذاكرين من كل سوء لأنهم تحصنوا بالله فحصنهم الله تعالى من كل شر، قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [الأعراف: 205]، فهنا الله تعالى يأمرنا بالذكر فى كل وقت وعلى كل حال سرا وجهرا، وحتى فى أنفسنا وبقلوبنا، وقال تعالى: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 35]، أمرنا الله تعالى بإقامة الصلاة، وبإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وبحج البيت من استطاع إليه سبيلا، وكل هذه الأوامر لم يطلب الله تعالى منا أن نكثر فيها، فقط المطلوب هو أداؤها على وجهها، أما ذكر الله تعالى فقد بشر الله تعالى الذين يذكرون الله تعالى كثيرا بالفوز بالجنات العظيمة، فالله تعالى أمرنا أن نذكره بلا حدود، فلم يجعل حدا لذكر الله تعالى، فترك الباب مفتوحا ليتسابق فيه المسلمون أيهم أكثر ذكرا لله تعالى، لماذا أيها الأحباب أمر الله تعالى بكثرة الذكر؟ لأن ذكر الله تعالى لا يحتاج إلى مشقة أو عناء، ولا يحتاج إلى وضوء، ولا يحتاج إلى جلسة معينة، ولا يحتاج إلى مكان معين، ولا يحتاج إلى وقت معين، فالإنسان يذكر الله ماشيا وجالسا ومضطجعا ومتوضئا وغير متوضئ، وأثناء العمل، وأثناء ركوبه الدابة أو السيارة، وهذه هدية عظيمة من الله المنان لنا، إذ أن ذكر الله تعالى كلمات خفيفة على اللسان سهلة فى النطق، لا تكلفنا شيئا من العناء، ولكن جعل الله تعالى لها شأنا عظيما فى ميزان الحسنات.الدعاء باب من أبواب علاج الأمراض النفسية:
يبتلي الله تعالى عباده المؤمنين ببعض الهمّ خلال حياتهم الدنيويّة، ولذلك على العبد أن يلجأ دائما إلى الدّعاء لله تعالى كي يُزيل عنه كربته.الدعاء باسم الله الأعظم:
فعن بريدة رضي الله عنه ان رسول الله سمع رجلاً يقول: اللهم إني اسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد . فقال: ((لقد سألت الله تعالى بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب)) وفي رواية: ((لقد سالت الله تعالى باسمه الاعظم)).الذكر بآية الكرسي:
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ قَرَأَ آيَةَ الْكُرْسِيِّ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ إِلَّا أَنْ يَمُوتَ)). عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ))؟ قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ : ((يَا أَبَا الْمُنْذِرِ، أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ))؟ قَالَ: قُلْتُ: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} . قَالَ: فَضَرَبَ فِي صَدْرِي وَقَالَ: ((وَاللَّهِ لِيَهْنِكَ الْعِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ)) [مسلم].الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه))__صحيح البخاري ومسلم. فهل بعد ذلك من فضل؟
لا حول ولا قوة إلا بالله:
عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله)).
الدكتور أحمد عبده عوض (عزيمة الإيمان والدعاء لعلاج الأمراض النفسية)
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة