هكذا كان أهل الورع

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور  أحمد عبده عوض 

الداعية والمفكر الإسلامى

قال المحاسبي في وصف الألياء والصالحين: كانوا للمسكنة محبين، ومن خوف الفقر آمنين، وبالله تعالى في أرزاقهم واثقين، وبمقادير الله عز وجل مسرورين، وفي البلاء راضين، وفي الرخاء شاكرين، وفي الضراء صابرين،وفي السراء حامدين، وكانوا لله متواضعين، وعلى أنفسهم مؤثرين، وعن حب العلو والتكابر ورعين،وكانوا اذا أقبلت عليهم الدنيا حزنوا، وإذا أقبل علهم الفقر، قالوا: مرحبًا بشعار الصالحين.


وعن مؤمل بن إسماعيل قال: ((أقام سفيان بمكة سنة، فما فتر من العبادة سوى من بعد العصر إلى المغرب، كان يجلس مع أصحاب الحديث، وذلك عبادة))، وقال ابن مهدي: ((كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبًا ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات)).


وكان عجيبًا في قيامه لليل، كان يقوم الليل حتى الصبح في أيام كثيرة، وكان يرفع رجليه على الجدار بعد قيام الليل حتى يعود الدم إلى رأسه.


وقال ابن وهب: ((رأيت الثوري في الحرم بعد المغرب سجد سجدة، فلم يرفع رأسه حتى نودي للعشاء)).


وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر: ((لقيت مشايخ؛ أحوالهم مختلفةٌ، يتفاوتون في مقاديرهم في العلم)).


وكان أنفعهم لي في صحبةٍ: العاملُ منهم بعلمه، وإن كان غيره أعلم منه،
ولقيت جماعةً من أهل الحديث يحفظون ويعرفون؛ ولكنهم كانوا يتسامحون في غيبةٍ يخرجونها مخرج جرحٍ وتعديلٍ، ويأخذون على قراءة الحديث أجراً، ويُسرعون بالجواب لئلاَّ ينكسر الجاه، وإن وقع خطأ.


ولقيت عبد الوهَّاب الأنماطي؛ فكان على قانون السلف؛ لم يُسْمَع في مجلِسهِ غيبةٌ، ولا كان يطلبُ أجرًا على إسماع الحديث، وكنتُ إذا قرأتُ عليه أحاديث الرقائق بكى، واتَّصل بكاؤه.


ولقيت أبا منصور الجواليقي؛ فكان كثير الصمت، شديد التحرِّي فيما يقول، متقناً محقِّقًا، ورُبَّما سُئل المسألة الظاهرة، التي يبادر بجوابها بعض غلمانه؛ فيتوقَّف فيها حتى يتيقَّن، وكان كثير الصوم والصمت.


فانتفعت بهذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما؛ ففهمتُ من هذه الحالة: أنَّ الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول.


وقال عبد الله بن الإمام أحمد: ((كان أبي يصلي في كل يوم وليلة ثلاثمائة ركعة، فلما مرض من تلك الأسواط أضعفته، فكان يصلي في كل يوم وليلة مائة وخمسين ركعة، وقد كان قرب من الثمانين، وكان يقرأ في كل يوم سُبْعًا؛ يختم في كل سبعة أيام، وكانت له ختمة في كل سبع ليال سوى صلاة النهار، وكان ساعة يصلي عشاء الآخرة ينام نومة خفيفة، ثم يقوم إلى الصباح يصلي ويدعو)).


وقال أيضًا: ((ربما سمعت أبي في السحر يدعو لأقوام بأسمائهم، وكان يكثر الدعاء ويخفيه، ويصلي بين العشائين، فإذا صلى عشاء الآخرة، ركع ركعات صالحة، ثم يوتر وينام نومة خفيفة، ثم يقوم ويصلي، وكانت قراءته لينة، ربما لم أفهم بعضها، وكان يصوم ويدمن، ثم يفطر ما شاء الله، ولا يترك صوم الاثنين والخميس وأيام البيض)).


وكان يقول: ((أنا أفرح إذا لم يكن عندي شيء من الدنيا، ويقول: إنما هو طعام دون طعام، ولباس دون لباس، وأيام قلائل)).


ذكر أبو علي الرازي قال: صحبت فضيل بن عياض رحمه الله تعالى ثلاثين سنة، ما رأيته ضاحكًا، ولا مبتسمُا إلا يوم مات علي ابنه، فقـلت لـه في ذلك؛ فقـال: إنّ الله عزّ وجلّ أحبّ أمراً؛ فأحببت ما أحبّ الله.