امرأة أيوب عليه السلام، لم يرد ذكر اسمها في القرآن ولا في السنة،

محاضرات
طبوغرافي

الإستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

امرأة أيوب عليه السلام، لم يرد ذكر اسمها في القرآن ولا في السنة، وإنما ذكر المؤرخون بأن اسمها: ليا بنت يعقوب. وقيل: رحمة بنت إفرايم بن يوسف بن يعقوب.


ذكر الله سبحانه عبده ورسوله أيوب عليه السلام، وما ابتلاه به من الضر في جسده وماله وولده، ليعلم الناس أن الابتلاء سنة من سنن الله، حتى قيل: لم يبق من جسده مَغْرز إبرة سليمًا سوى قلبه، ولم يبق له من حال الدنيا شيء يستعين به على مرضه وما هو فيه، وإذا قرئت الآيات ذكر أيوب وصبره، لكن قلَّ من يعلم أن يذكر قصة زوجه تلك المرأة العاقلة الصابرة المؤمنة التي أثبتت أنها زوجة من معدن الزوجات الوفيات، فقد حفظت ود زوجها رغم شدة البلاء الذي أصابه، حتى هجره الناس كلهم،

بل أخرجوه من قريتهم، لكنها بإيمانها بالله ورسوله صبرت صبراً عجيباً، حتى وصل بها الأمر أنها كانت تخدم في بيوت الناس بالأجرة لتطعمه وتخدمه وتقوم عليه، حتى ضاق عليها الأمر من كل اتجاه، بعد أن كانت قبل ذلك في مال جزيل وأولاد وسعة طائلة من الدنيا،

فَسُلبَ جميع ذلك حتى آل بهم الحال إلى أن يُلقى زوجها (أيوب) خارج البلدة، ورفضهم القريب والبعيد؛ فبقيت هذه الزوجة رضي الله عنها صابرة محتسبة وفية، فكانت لا تفارق زوجها المريض صباحًا ولا مساءً إلا في الوقت الذي تذهب فيه لطلب القوت له، هكذا بلغ الحال بامرأة أيوب المؤمنة التقية، وكان الوفاء طبعها، والصبر خلقها،

قال النبي صلى الله عليه وسلم -: ((وما أُعطي أحدٌ عطاءً هو خير وأوسع من الصبر))، فكلنا اليوم بحاجة للتذكير بالصبر وفضله وثمراته، في المرض والفقر، والهموم والمشاكل والآلام، والموت، وفقدان الأولاد، وذهاب الأصدقاء، وخسارة الأموال، واتهامات الناس وكلامهم وظلمهم لبعضهم، وغير ذلك.


كانت امرأة أيوب عليه السلام، أنموذج الصبر والوفاء {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}، {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ}.


ذكر الطبري في تفسيره بسنده لعبد الرحمن بن جُبَير، قال: ((لما ابتُلي نبيُّ الله أيوب - صلى الله عليه وسلم - بماله وولده وجسده، وطُرح في مَزْبَلة، جعلت امرأته تخرج تكسب عليه ما تطعمه، فحسده الشيطان على ذلك، وكان يأتي أصحاب الخبز والشويَّ الذين كانوا يتصدَّقون عليها، فيقول: اطردوا هذه المرأة التي تغشاكم، فإنها تعالج صاحبها وتلمسه بيدها، فالناس يتقذَّرون طعامكم من أجل أنها تأتيكم وتغشاكم على ذلك.


لقد كان أيوب عليه السلام يرى الحال الذي وصلت إليه تلك الزوجة الصابرة حتى إنها أصبحت تعمل أجيرة خادمة في البيوت، وهي صابرة معه، محتسبة على ما حل بهما من فراق المال والولد، وبعد السعادة والنعمة، كان الضيق والشدة.


وقيل: من شدة ما أصابها من البلاء، ولما رفض الناس خدمتها بعد ما علموا أنها امرأة أيوب عليه السلام، خوفاً أن ينالهم من بلائه، أو أن تُعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدًا يستخدمها،

عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف، إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير، فأتت به إلى أيوب عليه السلام، فسألها: من أين لك هذا؟ فقالت: خدمت به أناساً، فلما كان من الغد،

لم تجد أحدًا يستخدمها، فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به، فأنكره وحلف لا يأكله، حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟ فكشفت عن رأسها خمارها، فلما رأى رأسها محلوقاً، اضطر نبي الله فدعا ربه: {أَنّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ } [الأنبياء:83].


هذا صبر زوجة أيوب في محنة زوجها وظروفه، قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: ((أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل)) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: )) يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه)) رواه الترمذي.


والله تعالى رحيم لطيف بالعباد، لكنه سبحانه يبتلي ويمتحن ويصيب، ليغفر ويرفع الناس بعضهم فوق بعض درجات، وهو غفور كريم يستجيب كما استجاب لأيوب مباشرة لما دعاه وتضرع إليه {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنّى مَسَّنِىَ الشَّيْطَـٰنُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} قيل: بنصب في بدني وعذاب في مالي وولدي،

فعند ذلك استجاب له أرحم الراحمين وأمره أن يقوم من مقامه وأن يركض الأرض برجله، ففعل فأنبع الله عينًا وأمره أن يغتسل منها، فأذهب جميع ما كان في بدنه من الأذى،

ثم أمره فضرب الأرض في مكان آخر، فأنبع له عينًا أخرى وأمره أن يشرب منها، فأذهبت ما كان في باطنه من السوء، وتكاملت العافية ظاهرًا وباطنًا، ولهذا قال تعالى: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} .


وروى ابن جرير وابن أبي حاتم بسندهما، وذكره الألباني في الصحيحة عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن نبي الله أيوب عليه السلام لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه ويروحان؛ فقال أحدهما لصاحبه ذات يوم:

تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبًا ما أذنبه أحد من العالمين، فقال له صاحبه: وما ذاك؟ قال: منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله، فيكشف ما به فلما راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له، فقال أيوب: لا أدري ما تقولان غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان، فيذكران الله فأرجع إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يُذكر الله إلا في حق، قال:

وكان يخرج إلى حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ، فلما كان ذات يوم أبطأ عليها وأوحي إلى أيوب أن {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} فاستبطأته، فتلقته تنظر، وقد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء، وهو أحسن ما كان، فلما رأته، قالت: أي بارك الله فيك!

هل رأيت نبي الله هذا المبتلى؟ والله ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحًا، فقال: فإني أنا هو، وكان له أندران (أو بيدران ): أندر للقمح، وأندر للشعير، فبعث الله سحابتين، فلما كانت إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض، وأفرغت الأخرى في أندر الشعير الورق– أي: الفضة- حتى فاض)).


وروى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ! أَلَمْ أَكُنْ أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ: بَلَى وَعِزَّتِكَ، وَلَكِنْ لَا غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ)) ولهذا قال تعالى: {وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ}.


قال الحسن وقتادة: أحياهم الله تعالى له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم، وقوله: {رَحْمَةً مِنَّا} أي: به على صبره وثباته وإنابته وتواضعه واستكانته {وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ}، أي: لذوي العقول، ليعلموا أن عاقبةَ الصبر الفرجُ والمخرجُ والراحة، هكذا كانت النهاية السعيدة لتلك المرأة الصابرة، إنه جزاء الصابرين {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}.