أهل الرضا يتنعمون بجنة الدنيا والآخرة والرضا يوجب المغفرة لصاحبه

محاضرات
طبوغرافي

بقلم أ.د.أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامي الكبير

هل ترغب في جنة الرضا، وهل تريد أن تجد هذه الجنة في بيتك، إن من يرضى عن الله له الرضا، والحياة الدنيا دار بلاء، لا يخلو بيت منه، والبيت الذي تسكنه السعادة هو البيت الذي يسكنه الرضا.


يقول ابن القيم في ((زاد المعاد)): ((فأكثر الخلق، بل كلهم إلا مَن شاء الله يظنون باللهِ غيرَ الحقِّ ظنَّ السَّوْءِ، فإن غالبَ بنى آدم يعتقد أنه مبخوسُ الحق، ناقصُ الحظ، وأنه يستحق فوقَ ما أعطاهُ اللهُ، ولِسان حاله يقول: ظلمنى ربِّى، ومنعنى ما أستحقُّه، ونفسُه تشهدُ عليه بذلك، وهو بلسانه يُنكره ولا يتجاسرُ على التصريح به، ومَن فتَّش نفسَه، وتغلغل فى معرفة دفائِنها وطواياها، رأى ذلك فيها كامِنًا كُمونَ النار فى الزِّناد، فاقدح زنادَ مَن شئت يُنبئك شَرَارُه عما فى زِناده، ولو فتَّشت مَن فتشته، لرأيت عنده تعتُّبًا على القدر وملامة له، واقتراحاً عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغى أن يكون كذا وكذا، فمستقِلٌ ومستكثِر، وفَتِّشْ نفسَك هل أنت سالم مِن ذلك؟)) فيا ليتنا نفهم الحكمة من ابتلاء الله سبحانه وتعالى لنا ..

فالله عزَّ وجلَّ يبتلي العبد ليسمع أنينه، ولكي يُفيقه من غفلته.


عن زيد ابن الأرقم أنه قال: ((رمدت عيناي، فعادني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا زيد أرأيت لو أن عينك ذهب نورها كيف كنت تصنع، قلت أصبر يا رسو الله، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: لو صبرت واحتسبت كان ثوابك الجنة))


ومن الطرائف أن رجلًا مر على امرأة، كانت بغيا في الجاهلية، فجعل ينظر إليها وقد ولت، ولم يرفع نظره عنها حتى أصاب وجهه الحائط، فأتى النبي فذكر له ذلك، فقال صلى الله عليه و سلم: ((إن الله أراد بك خيرًا، فإن الله إذا أراد بعبد خيرًا عجل له عقوبته في الدنيا، وإذا أراد بعبد شرًّا أمسك عليه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة)).


إن الذي يتسخَّط يكن جزاؤه سخط الله تعالى عليه، عن أنس قال: قال رسول الله ((إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عزَّ وجلَّ إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط)).


وليكن همُّك رضا الله عز وجلَّ ولا أحدٍ سواه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: )) من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس)).


أهل الرضـــــا يتنعمون بجنة الدنيــــــا على حقيقتها، يقول ابن القيم ((إن الرضا يُثمِّر سرور القلب بالمقدور في جميع الأمور، وطيب النفس وسكونها في كل حال، وطمأنينة القلب عند كل مفزع من أمور الدنيا، وبرد القناعة واغتباط العبد بقسمه من ربِّه، وفرحه بقيام مولاه عليه واستسلامه لمولاه في كل شيء ورضاه منه بما يجريه عليه وتسليمه له الأحكام والقضايا، واعتقاد حسن تدبيره وكمال حكمته، ويذهب عنه شكوى ربِّه إلى غيره وتبرمه بأقضيته)) [مدارج السالكين 2/220].


للرضا ثمرات إيمانية كثيرة وافرة تنتج عنه، يرتفع بها الراضي إلى أعلى المنازل، فيصبح راسخاً في يقينه، ثابتاً في اعتقاده، وصادقاً في أقواله وأعماله وأحواله. فالرضـــــا يوجِّب مغفرة الله تعالي، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قال حين يسمع المؤذن أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله رضيت بالله ربا، وبمحمد رسولا، وبالإسلام دينا، غفر له ذنبه)) [رواه مسلم].


ويُثمِّر السعادة والسرور، قال رسول الله ((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا)) [رواه مسلم] وبالإيمان ينشرح صدرك وتستمتع بحياتك، ويكون شعارك {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس: 58] ففضل الله ورحمته أعظم من كل حطام الدنيا الفاني الذي تسعى لجمعه.


ويُثمِّر الغنى الحقيقي، سأل موسى ربَّه عن ست خصال، منها أنه قال: ((أي عبادك أغنى؟، قال: الذي يرضى بما يؤتى))
فالغنى الحقيقي هو أن يُرضيك الله تعالى بما أوتيت مهما قل أو كثُر.


الرضا يوصلك لأعلى درجـــات الإيمـــــان، قال أبو سليمان الداراني ((الرضا عن الله عزَّ وجلَّ والرحمة للخلق درجة المرسلين)) فبالرضا والرحمة تُنال رفقة النبي في الفردوس الأعلى.


مفتاح الحب الصادق لله تعالى، فمن رضي عن الله ربًّا، أحبَّه الله جلَّ وعلا، وإذا أحبَّك، ستنتهي جميع مشاكلك في الحيـــاة، يقول تعالى في الحديث القدسي: ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)) [صحيح البخاري].


قال عبد الواحد بن زيد: ((ما أحسب شيئًا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضــــا، ولا أعلم درجة أرفع ولا أشرف من الرضا وهي رأس المحبة)) .


ويقول ابن القيم: ((فمزيد المحب الراضي: متصل بدوام هذه الحال له، فهو في مزيد ولو فترت جوارحه، بل قد يكون مزيده في حال سكونه وفتوره أكثر من مزيد كثير من أهل النوافل، بما لا نسبة بينهما، ويبلغ ذلك بصاحبه إلى أن يكون مزيده في حال نومه أكثر من مزيد كثير من أهل القيام، وأكله أكثر من مزيد كثير من أهل الصيام والجوع)) .


فإن أنكرت هذا فتأمل مزيد نائم بالله، وقيام غافل عن الله، فالله سبحانه إنما ينظر إلى القلوب والهمم والعزائم لا إلى صور الأعمال، وقيمة العبد: همته وإرادته، فمن لا يرضيه غير الله - ولو أعطي الدنيا بحذافيرها - له شأن، ومن يرضيه أدنى حظ من حظوظها له شأن، وإن كانت أعمالهما في الصورة واحدة، وقد تكون أعمال الملتفت إلى الحظوظ أكثر وأشق، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.


إنّ من لوازم الإيمان أن يرضى العبد بقضاء الله وقدره خيره وشره وأن يعلم أنّ الأقدار لا تكون حسب رغباته وأهوائه وإنما تكون بحسب حكمة وتقدير الخالق – جلّ وعلا – ينبغي علينا أن نرضى ونسلم بقضاء الله – جلّ وعلا – في جميع أحوالنا.
فالرضا ثمرة من ثمار المحبة، وهو من أعلى مقامات المقربين، وهو باب الله الأعظم، ومستراح العارفين، وجنة الدنيا، فجدير بمن نصح نفسه أن تشتدَّ رغبته فيه، وأن لا يستبدل بغيره منه.


ورضا الله عن العبد أكبر من الجنة وما فيها؛ لأنّ الرضا صفة الله والجنة خلقه، قال تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} [التوبة/ 72]، بعد قوله: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 72]،