الصالحات .. جنة البيوت

محاضرات
طبوغرافي

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

المرأة الصالحة تحول بيتها إلى جنة تنبت فيها أشجار الإيمان والذكر والرضا وتخرج للمجتمع نبتًا يعجب الزراع ويملأ الدنيا رضا وصلاحًا

كان رياحُ بن عمرو القيسي، أحد الصَّالحين الكبار في هذه الأمَّةِ، تزوَّج رياح امرأةً، فأراد أن يختبرَها، فلمَّا كان الليلُ تناوَمَ لها، فقامتْ هذه المرأةُ الصَّالحة تصلِّي حتَّى مضى ربعُ اللَّيْل، ثم نادته: قُمْ يا رياح، فقال: أقوم، أقوم إن شاء الله، فقامت الرُّبعَ الثَّاني، ثم نادته: قم يا رياح، قم، فقال: أقوم، ولم يقمْ فقامتِ الرُّبعَ الثَّالثَ، ثم نادته: قم يا رياح، فقال: أقوم، ولم يقم، فقالت: يا رياح مضى اللّيلُ، وعسكرَ المحسنون وأنت نائم! ليتَ شعري من غرَّني بك يا رياح؟! من غرَّني بك؟! قال: وقامت الربعَ الباقي!


عن ابن عباس، أنه قال: " وقع في قلب أم شريك الإسلام، فأسلمت وهي بمكة، وهي إحدى نساء قريش ثم إحدى بني عامر بن لؤي، وكانت تحت أبي العسكر الدوسي فأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرا فتدعوهن وترغبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها وقالوا: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا ولكنا سنردك إليهم قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء موطأ ولا غيره، ثم تركوني ثلاثا لا يطعمونني ولا يسقونني قالت: فما أتت علي ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه قالت: فنزلوا منزلا وكانوا إذا نزلوا منزلا أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها وحبسوا عني الطعام والشراب فلا تزال تلك حالي حتى يرتحلوا قالت: فبينما هم قد نزلوا منزلا وأوثقوني في الشمس، واستظلوا منها إذا أنا بأبرد شيء على صدري؛

فتناولته فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلا ثم نزع فرفع ثم عاد فتناولته، فشربت منه ثم رفع ثم عاد أيضا، فتناولته فشربت منه قليلا، ثم رفع قالت: فصنع بي مرارا ثم تركت فشربت حتى رويت، ثم أفضيت سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة قالوا لي: أتحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه قلت: لا والله ما فعلت، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا قالوا: لئن كنت صادقة لدينك خير من ديننا، فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك.


عن أنس بن مالك، قال: تزوج أبو طلحة أم سليم، وكان صداق ما بينهما الإسلام أسلمت أم سليم قبل أبي طلحة فخطبها فقالت: " إن أسلمت نكحتك فأسلم فكان صداق ما بينهما الإسلام.


وعن أنس، قال: كان لأبي طلحة ابن من أم سليم، فمات فقالت لأهلها: لا تخبروا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه قال: فجاء فقربت إليه عشاءه وشرابه فأكل وشرب، قال: ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع له قبل ذلك، فلما شبع وروي وقع بها فلما عرفت أنه قد شبع وروي وقضى حاجته منها قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن أهل بيت أعاروا عاريتهم أهل بيت آخرين؛ فطلبوا عاريتهم ألهم أن يحبسوا عاريتهم؟ قال: لا، قالت: فاحتسب ابنك.


قال: فغضب ثم قال: تركتيني حتى تلطخت بما تلطخت به، ثم تحدثيني بموت ابني، فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقال: يا نبي الله ألم تر إلى أم سليم صنعت كذا وكذا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بارك الله لكما في غابر ليلتكما» قال: فتلقيت تلك الليلة، فحملت بعبد الله بن أبي طلحة.


عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من الصبح يوما، فأتى النساء فوقف عليهن؛ فقال: «يا معشر النساء إني قد رأيت أنكن أكثر أهل النار، فتقربن إلى الله عز وجل بما استطعتن».


وكانت من النساء امرأة عبد الله بن مسعود، فانقلبت إلى ابن مسعود، فأخبرته بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذت حليا لها فقال لها ابن مسعود: أين تذهبين بهذا الحلي؟.


فقالت: أتقرب به إلى الله ورسوله لعل الله لا يجعلني من أهل النار؛ فقال: هلمي تصدقي به علي وعلى ولدي فأنا له موضع.


عن زينب الثقفية امرأة عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للنساء: «تصدقن ولو بحليكن».


فقالت زينب لعبد الله: أيجزئ عني أن أصنع صدقتي فيك وفي بني أخي وأختي أيتام؟.


وكان عبد الله خفيف ذات اليد فقال: سلي عن ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت زينب: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا امرأة من الأنصار يقال لها زينب جاءت تسأل عما جئت أسأل عنه فخرج إلينا بلال، فقلنا: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخبره من نحن، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فذكر ذلك له فقال: ((أخبرهما أن لهما أجرين: أجر القرابة وأجر الصدقة)).


عن أنس بن مالك، قال: لما كان يوم أحد حاص أهل المدينة حيصة، وقالوا: قتل محمد حتى كثرت الصوارخ في نواحي المدينة؛ فخرجت امرأة من الأنصار، فاستقبلت بأخيها وابنها وزوجها وأبيها لا أدري بأيهم استقبلت أولا؛ فلما مرت على آخرهم قالت: «من هذا؟».


قالوا: أخوك وأبوك وزوجك وابنك قالت: «ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم».
فيقولون: أمامك حتى ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بناحية ثوبه ثم جعلت تقول: «بأبي أنت وأمي يا رسول الله لا أبالي إذا سلمت من عطب».


كانت أمُّ حسان من السَّلفِ - رحمها الله - وكانت زاهدةً عابدة، دخل عليها سفيانُ الثوري - رحمه الله - وهو من أئمَّةِ المسلمين وساداتِهم في زمانه، فلم يرَ في بيتِها غير قطعة حصير، فقال لها: لو كتبتِ رقعةً إلى بعضِ بني أعمامِك ليغيروا من سوءِ حالك، فقالت: يا سفيان، لقد كنتَ في عيني أعظمَ، وفي قلبي أكبر من ساعتِك هذه، أمَّا إنِّي لم أسأل الدُّنيا من يملكُها، فكيف أسألُ من لا يملكها؟


يا سفيان، واللهِ ما أحبُّ أن يأتيَ عليَّ وقتٌ، وأنا متشاغلة فيه عن اللهِ بغير الله، فبكى سفيان.
إن المرأة الصالحة تحول البيت إلى جنة تنبت فيها أشجار الإيمان والذكر والهدى والرضا ، فرحم الله بيتًا يضم بين جدرانه الصالحين والصالحات الذين يجعلون الله وحده مؤملهم ، وعلى عبادته يحافظون وعلى رضاه يحرصون.
هذا البيت ينبت للمجتمع نبتًا يعجب الزراع ، يملأ الدنيا رضا وصلاحًا .