الأزمان الصعبة : بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء

معية الحبيب
طبوغرافي

 

 

الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض

الداعية والمفكر الإسلامى

الدكتور

"الأزمان الصعبة" تحدث عنها النبي صلى الله عليه وسلم، هذه الأزمان الصعبة إما إننا نعيشها الآن، وإما إننا سنعيشها في المستقبل، أو يعيشها أولادنا، أو أحفادنا، أو أحفاد أحفادنا.

مؤشرات هذه الأيام الصعبة أصبحت موجودة الآن رأي العين، من منكم يعرف الرويبضة؟ من منكم يعرف الوعول والتحوت؟ من منكم يعرف لكع بن لكع؟ هذه كلمات قد تبدو غريبة عليكم.

قال سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه: " يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَسْتَخْفِي الْمُؤْمِنُ فِيهِمْ، كَمَا يَسْتَخْفِي الْمُنَافِقُ فِيكُمُ الْيَوْمَ "، يُحارب ويُعتقل ويُطارد، ويظهر المنافق ويجتمع الناس حوله، دخلنا في معنى الرويبضة، كل الأحاديث اليوم تدور حول معنى الرويبضة، وكدت أن أسمّي هذا الدرس بزمان الرويبضة، لكن وجدت أن الاسم صعب على مسامعكم، فشرحت الموضوع بسهولة.

ما من أيام إلا تقل فيها الأمانات، عندي أدلة على ضياع الأمانات، لو أحببت أن أقولها فإني سأزلزلكم، لكن لأن هذه الدروس فيها روحانيات عالية، وأنا أكون داخل معية الدرس لا أحب أن أخرج إلى المجتمع، المجتمع صعب، الكلام هذا لو طُبّق على المجتمع، لن يتحمل الناس كلامي، قال سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش، وقطيعة الرحم، وسوء المجاورة، وحتى يؤتمن الخائن ويخوّن الأمين) رواه أحمد والترمذي.

 ففي الحديث النبوي السابق دلالةٌ على ضياع الأمانة آخر الزمان، وليس الأمر مقصورًا على التفريط فيها، بل الأدهى والأمرّ انقلاب الموازين عند الناس حتى يغدو من اشتُهر بالخيانة ويُعرف بها صادقًا أمينًا، ويُنظر إلى الأمين حقًّا مّمن عُرف بالنزاهة بأنه خائنٌ لها ومضيّع لما استؤمن عليه.

ثم قال سيدنا: ويكثر القتل، هذه تكلم فيها النبي كثيرًا، عندنا ما يقرب من عشر أحاديث وأنا في معية الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه، اسمحوا لي أن أهديها لكم، وهي أحاديث صحيحة، وواقعة وحادثة كنت أتمنى أن تكون هذه الأحاديث، منطبقة على عصر آخر بخلاف العصر الذي أعيش فيه، لكن تحققت فى عصرنا.

قال الرسول صلوات ربي وسلامه عليه: "لا تقوم الساعة حتى يشيع القتل والهرج، حتى لا يعرف القاتل لماذا قَتل، ولا يدري المقتول لماذا قُتل" أليس هذا هو الموجود فى عصرنا هذا؟ بلى تجد الناس يموتون فى المظاهرات بدون ذنب ولا يدرون لماذا قتلوا؟

دعوني أركز في أعداد القتلى فى الدول العربية كل يوم، لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، إذا جاءك رجل لكي يهدم عليك بيتك، وكي يغتصب أولادك، فمنعته بالقتل أو قتلك، هنا توجد قضية، هو يدافع عن نفسه، أو عن دولته، القتل هنا له معنى، وله سبب.

قال حبيب الله صلى الله عليه وسلم: " لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ وَأَخَاهُ وَأَبَاهُ " كلام صعب، لكنها حادثة يا حبيب الله، ولذا في أول الدرس، عبرت عن إعزازي لك وعن توقيري لك، وعن حبي لك، فإن كل كلماتك موجودة في حياتنا، رغم أن المعلومات قيمة، لكنها معلومات مزلزلة، ومعلومات مخيفة، هذا الدرس من الدروس المرعبة، لأنها حادثة، لا تقوم الساعة حتى يقتل الرجل أباه، وحتى يقتل الرجل ابنه، هذا حادث في مواقع كثيرة في العالم الإسلامي، وحتى يقتل الرجل عمه، وابن عمه، وجاره، وأخاه، سبحان الملك، يكون الولد في البيت هو السيد، وأبوه يسمع كلامه، اختلاف المعايير هذه التي يحدثك عنها المعصومة صلوات ربي وسلامه عليه، كلها بأدلة، وكلها حادثة، وكلها واقعة، وما سيأتي في تاريخ الدنيا أصعب، إذا كنا الآن قد رأينا بعضًا منها، فإن القادم منها أصعب.

عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها وأولهن نقضًا: الحكم، وآخرهن الصلاة)).

ومعناه ظاهر وهو: أن الإسلام كلما اشتدت غربته كثر المخالفون والناقضون لعراه يعني بذلك فرائضه وأوامره، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: ((بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء)) أخرجه مسلم في صحيحه.

ومعنى قوله في الحديث: ((وأولها نقضًا الحكم)) معناه ظاهر وهو: عدم الحكم بشرع الله وهذا هو الواقع اليوم في غالب الدول المنتسبة للإسلام. ومعلوم أن الواجب على الجميع هو الحكم بشريعة الله في كل شيء والحذر من الحكم بالقوانين والأعراف المخالفة للشرع المطهر؛ لقوله سبحانه: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا}، وقال سبحانه: {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ}.

الأحاديث تجسد موضوعات كانت غائبة عنا، موضوعات لم تكن تجري على ذهن أحد.

روى الإمام البخاري رحمه الله بإسناده إلى عدي بن حاتم قال: بينا أنا عند الني صلى الله عليه وسلم إذا أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي، هل رأيت الحيرة؟

قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها.

قال: فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله، قلت فيما بيني وبين نفسي فأين دعار (الدعار هو الخبث الشديد) طيئ الذين قد سعروا البلاد؟ ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلت: كسرى بن هرمز؟

قال: كسرى بن هرمز. ولئن طالت بك حياة لترينّ الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه، وليلقين الله أحدكم يوم يلقاه وليس بينه وبينه ترجمان يترجم له، فيقولن ألم أبعث إليك رسولاً فيبلغك؟ فيقول بلى، فيقول: ألم أعطك مالاً وأفضل عليك؟

فيقول: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم، وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم.

 قال عدي: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد شق تمرة فبكلمة طيبة.

قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: يخرج ملء كفه - رواه البخاري

وأنا أقول لك: "لإن طالت بك الحياة" والدرس القادم سأسميه لإن طالت بك الحياة، الذي يعيش منكم طويلاً سيرى ماذا سيحدث؟

سبحان من علمك يا حبيب الله.

كثرة الشح والبخل -قطيعة الرحم -سوء الجوار

من علامات الساعة شيوع أمراض نفسية تفتك بالمجتمع الاسلامي منها الشح:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال:"من أشراط الساعة أن يظهر الشح"

وعن أنس رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "لا يزداد الامر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شُحًّا"

وقال صلى الله عليه وسلم:"يتقارب الزمان وينقص العمل و يلقى الشح ويكثر الخرج"

و(( الشح)) بخل مع حرص وكل ما يمنع النفس من بذل مال أو معروف أو طاعة.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفحش و قطيعة الرحم و سوء المجاورة"

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن ويهلك الوعول ويظهر التحوت" فقالوا: يا رسول الله وما الوعول و ما التحوت؟ قال:" الوعول وجوه الناس و إشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يعلم بهم "

وقد وقع ما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم فنرى الفساد ظاهرًا بين كثير من الناس كما نرى التقاطع وسوء الجوار حاصلا بينهم وحل التباغض و التنافر بينهم محل المحبة و الصلة و المودة حتى ان الجار لا يعرف جاره و القريب لا يعرف عن بعض ارحامه و هل هم من الاموات ام من الاحياء.

عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال:

"والذي نفس محمد بيده! لا تقوم الساعة حتى يظهر الفُحش والبخل، ويخوّن الأمين، ويؤتمن الخائن، [ويظهر ثياب يلبسها نساء كاسيات عاريات] ويهلك الوعول، وتظهر التُّحوت"(وفي رواية: يعلو التّحوت الوعول).

قالوا: يا رسول الله ! وما الوعول وما التُّحوت؟ قال:

"الوعول: وجوه الناس وأشرافهم، (وفي رواية: أهل البيوت الصالحة). والتُّحوت: الذين كانوا تحت أقدام الناس لا يُعلم بهم.(وفي رواية: فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة، يرفعون فوق صالحيهم "

في السنوات الخدّاعات، تجد من أشراط الساعة التي أشار إليها النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا الحديث:

يظهر الفُحش والبخل. ويؤتمن فيها الخائن. ويخوَّن فيها الأمين. ومن أشراطها: نساء كاسيات عاريات.

النبي صلى الله عليه وسلم يكشف لنا أسرارًا عظيمة مما سيأتي في تاريخ الزمان، وهي الأزمان الصعبة، سميتها الأزمان الصعبة، لأن كل ما درج عليه الناس، كل ما ألفه الناس، يبدأ في التغيير، يتغير فهم الناس للحياة، تنعدم النخوة، تذهب النخوة عن الرجال.

خزينة الأسرار المحمدية، التي منها أقتبس، وبها أقتبس، ومنها أهتدي، وبها أهتدي، لازال فيها الكثير، و فيها كشف لبعض من الأحداث الجارية التى لا ريب فيها.

روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: «لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا ".

الحالة الراهنة لشبه الجزيرة العربية:

وأرض العرب المقصودة في كلام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي شبه الجزيرة العربية, التي تقع ضمن حزام الصحراء الممتد بين خطي عرض 15ْ, ْ30 شمالي خط الاستواء وجنوبه.

وقد وصف المولى ـ عز وجل ـ بعض أرض العرب وصحرائها, حين قال في كتابه الكريم على لسان سيدنا إبراهيم ـ عليه السلام: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم) ( إبراهيم: 37) وهو وصف يدل على حالة الجدب والقفر والجفاف الذي تعيشه شبه الجزيرة العربية منذ عهد إبراهيم الخليل -عليه السلام.

فإذا كانت هذه هي السمات العامة لمعظم أراضي شبه الجزيرة العربية, فكيف يقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنها ستصبح أرض مراع وأنهار في آخر الزمان؟! لاشك أن معنى الحديث غريب وعجيب, يصعب على العقل فهمه أو تفسيره.

والمعنى الظاهر للحديث: أن صحراء شبه الجزيرة العربية ستغطيها المروج ـ أي المراعي ـ والأنهار, في آخر الزمان قبل قيام الساعة, وقوله: «حتى تعود» يدل على أنها كانت كذلك في وقت سابق, وأنها ستعود إلى حالتها الأولى, وأن طبيعتها الصحراوية الجافة هي حالة طارئة عليها..

فالحديث في الواقع يتضمن حقيقة ونبوءة وإعجازًا خبريًّا وآخر علميًا.

فالحقيقة: أن شبه الجزيرة العربية كانت في الماضي أرضا ذات مراع وأنهار, ثم طرأت عليها الحالة الصحراوية الراهنة..

والمعجزة الإخبارية: أن الأنهار والمسطحات الخضراء ستعود ثانية إلى شبه الجزيرة العربية في آخر الزمان قبل قيام الساعة..

المياه الجوفية الموجودة في باطن الأرض، توشك أن تخرج إلى الناس، وأن تعود الجنات وأن تعود العيون، التي كانت عند قوم هود في الجزيرة العربية، تعود كما كانت يا حبيب الله صلوات ربي وسلامه عليك.

 ولازال النبي صلوات ربي وسلامه عليه يكشف لنا المزيد من هذه الأسرار، وكلها موثقة بالأدلة العلمية، لكنني أتحاشى ذكر الأدلة العلمية، فإن كلام سيدنا أقوى وأقوى، ولكن عندما أتكلم عن دليل علمي، فإنني أخاطب الكافر، فالكافر دائما يحتاج إلى دليل، أقول له قال سيدنا صلى الله عليه وسلم، لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب خضراء ومروجًا وأنهارًا، هذا كلام النبى صلوات ربي وسلامه عليه.

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.. {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ}.