الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
"من لمح فجر الأجر.. هان عليه ظلام التكليف"
من حكم ابن الجوزي رضي الله تعالى عنه دائمًا ما يتحمل المسلم التعب والعنت والبلاء والجوع والضيق والشدة في حياته؛ لأنه ينتظر فرج الله سبحانه وتعالى، وحكمة اليوم تعلمنا أن الإنسان الذي ينظر إلى الفجر وهو يبزغ بعد ليلٍ طويلٍ من المعاناة يعيش على أمل والله تعالى لن يضيع أجره.
قيل لأحد الصالحين:
- لِمَ تتعب نفسك؟
- فقال: بل راحتها أريد..وكان هذا الرجل كثير الصلاة، وكثير البكاء، وكثير الخشوع، وكثير الصيام حتى ضَعُفَ بدنه في حب الله فالرجل يسأله لم تتعب نفسك؟ فتأتي الإجابة بل أريد لها الراحة. إن الإنسان يتعب في هذه الحياة كي يستريح يوم القيامة.
ولما سُئِلَ ناصر السنة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه، فقيل له:
- متى يجد العبد طعم الراحة ؟
- فقال: عند أول قدمٍ أضعها في الجنة.
(من لمح فجر الأجر)
أي عندما تصوم في الحر الشديد سيكون الأجر لك مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، والشرب من حوضه صلى الله عليه وسلم، والدخول من باب الريان، وهذا هو فجر الأجر.
من لمح فجر الأجر: أي الإنسان يعبد ويعمل في حياته بل يشقى مر الشقاء في حياته ولكنه يرى الأجر مثل الفجر.
ولهذا يرى التكاليف التي كلفها الله عز وجل له سهلة يسيرة يقول تعالى: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [السجدة: 17 ]
لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم في أشد ابتلاءٍ للصحابة في ساعةٍ سماها الله تعالى ساعة العسرة. يقول جل جلاله {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117].
فلماذا لم يتأخر النبي صلوات ربي وسلامه عليه؟ لماذا لم ينتظر حتى يهدأ الحر ؟ وذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى والقيام بما كلفه به تعالى دون راحة أو تكاسل فالنبي لا يستطيع أن يتأخر، أو ينام، أو يقول دعوني أسترح.
أخي المسلم..
لا ينبغي لك أن تغيب عن الله عز وجل، ولا ينبغي لك أن تغيب عن شيء كلفك الله تعالى به، ولا ينبغي أن تغيب عن رسالةٍ أمرك الله تعالى أن تحفظها، أو أن تحافظ عليها، ولا ينبغي أن تغيب عن وقتٍ تنتظر فيه رحمة الله عز وجل، ولا ينبغي أن تغيب عن وقت الأذان، ولا ينبغي أن تغيب عن وقت يتنزل فيه الملك إلى السماء الدنيا.
فإن غبت فإنك مُحاسَب ومأخوذٌ.. وإذا غبت فإنك تضيع وتضيع غيرك.
الأحباب الكرام..
لو رأى الإنسان أنه بعد أن يتعب ويصبر، ويصبر نفسه، ويعيش على القليل فإن الله تعالى سيُدْخِلُهُ من أي أبواب الجنة شاء فلا بد للإنسان وأن يتحمل فمن يصبر اليوم فإن الله تعالى يكرمه بشرف النظر إلى وجه الله الكريم، يقول الله تعالى في سورة الرعد:
{ أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (24)} [الرعد].
من يتعب في نصف الطريق لا يصل ويرجع بخفي حنين، وفى الحديث الشريف “ جاء رجُلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: يا رسولَ اللهِ إنِّي لا أستطيعُ أنْ أتعلَّمَ القُرآنَ: فعلِّمْني ما يُجزِئُني مِن القُرآنِ قال: قُلْ: سُبحانَ اللهِ والحمدُ للهِ ولا إلهَ إلَّا اللهُ واللهُ أكبَرُ ولا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ، قال: هذا للهِ فما لي ؟ قال: قُلْ: ربِّ اغفِرْ لي وارحَمْني واهدِني وعافِني وارزُقْني ) فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( لقد ملَأ يدَيْهِ خيرًا ).
هذه الحكمة العظيمة تؤكد أن من يعيش في سكنٍ ضيق ينتظره سعة القبر وينتظره سعة الآخرة ومن يعيش على راتبٍ ضعيف تنتظره جنة عرضها السماوات والأرض
الشهيد يموت وهو مبتسم، وفرِحٌ بالشهادة ويتمنى أن يرجع ثانيةً ليُقْتل في سبيل الله مرة وأخرى، فهذا سيدنا عبد الله بن جحش في غزوة بدر خرجت أمعاؤه، ومات شهيدا، وفي موته قال الله تعالى له: تمنى، فقال: يارب أتمنى أن أعود إلى الدنيا مرةً ثانية فأُقْتَل مرة وثانية وثالثة؛ لما شاهد من الأجر.وهذا حبيب بن يزيد عندما ذهب إلى مسيلمة الكذاب فقال له أتشهد أني رسول الله، قال لا؛ فأتو به وقطعوه كما تقطع الذبيحة، وهو يقول: بل أشهد أن محمدًا رسول الله؛ لأنه لمح الأجر، ولمح الجزاء.
من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة