الأستاذ الدكتور أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
اللغة العربية هي وعاء الكتاب الخالد بها أنزل وحفظ.. وكل متعلم ومعلم في حاجة إليها؛ لأنها أساس كل علم ومناطه؛ فاللغة العربية خير اللغات والإقبال على تفهمها من العبادات؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التفقه في الدين؛ كما أنها أمتن اللغات وأوضحها بيانا وأذلقها لسانا وأمدها رواقا وأعذبها مذاقا، ومن ثم فقد اختارها الله تعالى لأشرف رسالة ولخاتم أنبيائه، وجعلها لأهل سمائه وسكان جنته، وأنزل بها كتابه المبين، وهي لغة الإيجاز والبيان والإعراب والبلاغة والفصاحة.
وهي تمثل المضمون الروحي لشخصيتنا العربية وهي مناط قوميتنا وأساس تراثنا؛ ومادة ثقافتنا وحضارتنا، وهي مستودع رسالة السماء الخالدة؛ وبهذا فهي لا تنفصل عن الدين فقد سارت في ركاب الإسلام؛ وحلت حينما حل؛ فكانت أداة التواصل الروحي والبدني والديني والفكري بين الأمم والإسلام.االمسلم يحتاج إلى لغته العربية ليفقه دينه ويؤدي العبادات المفروضة عليه ولكي يأخذ دينه من منبعه الأصيل
فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن الوحي الكريم
مدخل في فضل اللغة العربية وبيان حاجتنا إليها.
تميزت اللغة العربية بأنها أوسع ثروة في أصول الكلمات والمفردات من كل اللغات السامية؛ فهي تشتمل على جميع أصول الكلمات والمفردات من كل اللغات السامية؛ وتشتمل على جميع أصول هذه اللغات، وتزيد عليها بأصول كثيرة؛ وقد احتفظت بما لا يوجد لغيرها في أي لغة أخرى، فنجد مثلا أنها جمعت للأسد خمسمائة اسم، وللثعبان مائتي اسم، وللعسل ثمانين اسما ، وللسيف ألف اسم.. وهكذا؛ وهكذا يتسق مع طبيعة العرب في السخاء الطبيعي والمادي؛ والذي كان له مردوده على سخائه اللغوي؛ ولذا فقد وضعوا لبعض المعاني أسماء تفوق التصور والتخيل؛ وبذا اتسعت اللغة العربية اتساعا عظيما؛ ويبرز ذلك في غزارة مفرداتها؛ وكثرة الاشتقاق فيها، ووجود النحت، والقلب والإبدال، وسعة صدرها في التعريب والمجاز والكناية والنقل، واتسعت لعلوم الحضارة، وعرفت بكفايتها النادرة ومنزلتها..
وهكذا اختصت اللغة العربية بخصيصة البيان، وهذا يتضح من قوله سبحانه ( بلسان عربي مبين ) حيث وصف الله تعالى اللسان العربي بأبلغ ما توصف به اللغة وهو البيان، والذي هو أهم وظائف اللغة وأفضل ما توصف وتختص به، وعندما يرد الوصف من الخالق سبحانه وتعالى ذلك على تحقق هذه الصفة فيها بقدر عظيم؛ وعلى وفائها بالإبانة من أكمل الوجوه.. ويتمثل بيان العربية في كمال البيان اللغوي وليس مجرد الإبانة لأن هذا يتحقق بغير اللغة العربية.. وفي مجال العبارات العربية نجد سعتها ووضوحها وكثرة ترادفها، وغناء ألفاظها، وثراء مادتها، وغزارة مفرداتها، وحسن تأليف مباني الكلم، فضلا عن وجود خصيصة الاشتقاق، والتي جعلت اللغة العربية أكثر إنتاجا وتوكيدا.
وهناك سؤال مهم نحاول الإجابة عن حال اللغة العربية هذه الأيام؛ حيث لا يعجب المرء كثيرا عندما يتأمل واقعنا اللغوي والتاريخي، فيرى أن لغتنا العربية مثلت تحديا عظيما أمام أفكار هدامة استهدفت اللغة، ولعل ما سمي بمشكلة الفصحى والعامية أحد مظاهر هذه التحديات، وهي مشكلة صنعها الاستعمار وأعوانه عندما وجدوا لغة عليا للفكر والأدب، وهو أمر موجود في سائر اللغات الحسية، وليس ثمة مشكلة في ذلك.
ولا بد لنا من الحفاظ على اللسان العربي نطقا وكتابة دون خضوع لأية مبررات تؤدي في النهاية إلى التخبط والخلط الشديد بينه وبين الألسن الأخرى، حتى لو كان التبرير خاصًا بالسياحة والاستثمار والانفتاح، تلك الدعاوى التي يعاني منها مجتمعنا معاناة قد تؤدي في النهاية إلى فقدان الهوية، وأقوى مقوم للوحدة بين الشعوب العربية، ولا بد أن نعي أن حفاظنا على اللغة هو حفاظ على تراث الأمة، وعنايتنا باللسان العربي هو إقبال وإعلاء وافتخار لنا، وهو واجب حث عليه دينا ورغب فيه.
اللغة العربية في القرآن الكريم
فضلت اللغة العربية بالقرآن الكريم، وبه شرفت وارتفعت وخلدت وعلت، كما استطاعت أن تكون أداة طيعة لآيات الذكر الحكيم، ومعانيه العظيمة، وذلك بأساليبها التعبيرية الفائقة البديعة.
والعلاقة عضوية وأساسية بين اللغة العربية والقرآن الكريم، فاللغة وعاء الكتاب الخالد، فيها صب، وبها نزل وحفظ وخلد، والقرآن الكريم شرفها ورفعها وزادها فخرا وثراء وعظمة؛ ولذا فكل مسلم محتاج إلى هذه اللغة الشريفة؛ ليفقه دينه ويؤدي العبادات المفروضة؛ ولكي يأخذ الدين من منبعه الأصيل. كما أن كل عالم ومتعلم في حاجة لهذه اللغة لأنها الأساس لكل علم ومناطه، أكان ذلك من علوم الدين أو من علوم الدنيا، والحق أننا لا نجد لفظة العربية مجردة ومعرفة في القرآن الكريم، ولكن نجد ما يدل عليه في اشتقاقين اثنين هما ( عربي في ثلاثة مواضع ) ( عربيا في ثمانية مواضع ) أي إحدى عشرة موضعا في القرآن الكريم.
ووُصِف القرآن الكريم بكونه عربيا في ست آيات، وجاء وصفه باللسان العربي في ثلاث آيات، وجاء تفصيل كونه عربيا، وليس أعجميا في آية واحدة.. وجاء وصفه بالحكم العربي في آية واحدة؛ وبذا يكون مجموع ما ورد من ألفاظ ( العربية ) في القرآن الكريم إحدى عشرة آية باشتقاقين اثنين وهما ( عربيا – عربي ).
اللغة العربية في الحديث النبوي الشريف وصحابته صلى الله عليه وسلم.
كان إسماعيل عليه السلام هو أول من فتق العربية المبينة، وأن العربية منسوبة إليه، وحديث إسماعيل عليه السلام بها كان إلهاما من الله تعالى وإرادة واختيارا وحكما، وكان كلامه بها تأكيدًا لذلك.. وكان إلهام إسماعيل عليه السلام بها إعلاء لشأنها، وتفصيلا لها وتأكيدا للعلم الأزلي لله سبحانه وتعالى في إنزال القرآن الكريم على نبي كريم من نسل إسماعيل عليه السلام باللغة نفسها على نحو ما أوضحنا..مباحث الكتاب
- مدخل في فضل اللغة العربية وبيان حاجتنا إليها
- اللغة العربية في القرآن الكريم
- اللغة العربية في الحديث النبوي الشريف
- فضل اللغة العربية لدى الأئمة والعلماء
- مواقف لغوية من التراث في الحرص على اللغة والالتزام بها والحفاظ عليها
وقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم اللغة التي علمها إسماعيل في رواية " أنه أول من فتق لسانه بالعربية المبينة ".
وفي الحديث النبوي الشريف وضح الرسول الكريم أن اللغة العربية هي لغة أهل الجنة، كما كان سيدنا آدم عليه السلام، قبل أن يعصي الله تعالى ويهبط الأرض، فبمعصيته سلبت منه اللغة العربية وأبدلها بالسيريانية؛ فلما تاب رد الله تعالى له اللغة العربية.
- نزل القرآن الكريم على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بلسان عربي مبين، وبهذا فالرسول صلى الله عليه وسلم وعى هذه اللغة وأسرارها، وبماانه صلى الله عليه وسلم كان أميا، فها دليل انه تعلم بالوحي من جبريل عليه السلام
- القول بوحي اللغة إليه هو تأكيد لوعيه باللغة، وإدراكه لأسرارها، ولأهمية إحساسه بالنص القرآني من حيث الدلالة ولمعايشته له صلى الله عليه وسلم ولإدراك تعبيراته اللطيفة؛ ولإيضاح بعض المعاني والأسرار لبعض الآيات الكريمة، كما هو في كتب التفسير.
- فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم مستمدة من كتاب الله تعالى ومن الوحي، وهذا المعنى مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم عندما سئل عن عروبته واستقامة لغته وفصاحته عليه السلام فقد كان عونا له صلى الله عليه وسلم على حفظها وتعلمها ودراستها، وهذا المعنى مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم ( فجاء جبريل فحفظتها فحفظتها ).
وقد كانت توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم صريحة غلى صحابته رضوان الله تعالى عليهم أجمعين لدراسة العربية الدراسات المتأنية والغوص داخل أسرارها، وهذا ما نلمسه من قوله صلى الله عليه وسلم ( أعربوا القرآن والتمسوا غرائبه ) وهذا ما يحمل في معانيه القراءة والضبط والحركات الصحيحة كما يستدل منه على السعي لفهم معانيه، والبحث عن تفسير غريبه.
وقد أكدت الأحاديث النبوية فصاحة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة عندما صرح الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم بهذا حينما قال ( أنا أفصح من نطق بالضاد بيد أني من قريش وأني نشأت في بني سعد بني بكر ) فقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة في التمسك بمعالي اللغة، وحجة لاعتداد المعرفة اللغوية من عناصر الكمال الإنساني، فقد كان قوله جزلا وفصلا، وكان أسلوبه راقيا فائقا في البلاغة والتمييز كما شهد بذلك أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين من تأكيد فصاحته صلى الله عليه وسلم.
ولعل الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أكثر الصحابة حثا على تعلم اللغة العربية والالتزام بها، حيث يرى أن تعلم العربية يثبت القلوب، ويزيد المروءة حيث يقول ( تعلموا العربية فإنها تثبت القلوب وتزيد في المروءة ) ولا يخفى أن نظرته رضي الله عنه إلى اللغة العربية – لا على أنها لغة فحسب – ولكن على أساس تشريفي وقيمي وأخلاقي، وفي ضوء أنها لغة القرآن الكريم لا نعجب من رأي الفاروق عمرو رضي الله عنه.
والإمام الشافعي رضي الله عنه، في مؤلفه القيم ( الرسالة ) فيقول " فإذا كانت الألسنة مختلفة بما لا يفهمه بعضهم عن بعض، فلا بد أن يكون بعضهم تبعا لبعض، وأن يكون الفضل في اللسان من لسانه لسان النبي، ولا يجوز أن يكون أهل لسانه أتباعا لأهل لسان غير لسانه في حرف. وقد قال الشافعي رحمة الله عليه، أن الله تعالى فرض على جميع الأمم تعلم اللسان العربي بالتتبع لمخاطبتهم بالقرآن والتعبد له.
مواقف لغوية من التراث في الحرص على اللغة والالتزام بها والحفاظ عليها.
عني العرب بلغتهم؛ لأنها كانت الوسيلة التي كانوا يستخدمونها في التحدث بمآثرهم والتغني بأمجادهم، وكانت سلاحهم في المناظرات والمنافرات.. وكان العربي يتعصب للغة قومه، ويباهي بصفاء لهجته، وكان يحرص على تنقية لغته، ويولي أبناءه عناية خاصة؛ فينشئهم في البوادي ( مناطق الفصاحة ) ويبعدهم عن الحواضر التي تختلط فيها اللغات، ويبتغي بذلك طبعهم بالفصحى الخالصة و،كان من مزيد عناية القوم باللغة العربية أن ميزان التفاضل بين الأئمة وحملة اللغة كان سعة معرفة الرجل بكلام العرب ولغاتها وغريبها، وكان الأمراء والملوك والخلفاء وأعيان الأمة أكثر الناس عناية.
ومما يذكر في هذا أن أبا الأسود الدؤلي أقدم أئمة اللغة، قالت له ابنته وقد نظرت إلى السماء ونجومها صافية ( ما أحسنُ السماء! ) ورفعت أحسن، وحقها النصب على التعجب، وفي الاستفهام الرفع.. ففهم أبوها الاستفهام على ظاهر ماتكلمت به، فقال لها في الجواب: نجومها: أي أحسنها نجوما، فأدركت خطأها، وقالت: أنا متعجة ولست بمستفهمة. ( وكان هذا دافعا لوضع أبي الأسود الدؤلي لعلم النحو بعد أن أشار عليه الإمام علي بن أبي طالب بذلك.
وقد بلغ تعلقهم باللغة وشغفهم بها أن قدموها على ما عداها من أمور عظام، ومن ذلك أن أبا عمرو بن العلاء وكان مولعا باللغة، فخرج مع أبيه إلى اليمن هاربا من بطش الحجاج بن يوسف الثقفي، وبينما هما في الصحراء إذ لحقهما لاحق، ينشد:
ربما تكره النفوس من الأمر له فَرْجَة كحل العقال
فقال أبوه: ما الخبر؟ قال المنشد: مات الحجاج. قال أبو عمرو: فأنا بقوله ( فَرْجَة ) أشد سرورا من موت الحجاج.. ولعلنا لا يخفي علينا الحس اللغوي لأبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه، عندما لحظ ملحظا جيدا في الواو الفارقة، وبذلك عندما دار حوار بينه وبين رجل بشأن ثوب، فقال الصديق: أتبيع هذا الثوب؟ فقال الرجل: لا يرحمك الله، فقال له الصديق يا رجل قل: لا.. ويرحمك الله. وهذا إحساس قوي قوي بأهمية الحرف الواحد في اختلاف المعنى، ونقله من دلالة المدح إلى الذم، أو نقلها من مجرد الدعاء إلى الدعاء عليه.. وهذا بالطبع يحتاج إلى إقدار للغة وتراكيبها ودلالتها.
وليس ببعيد هذه الرواية التي نقلت عن الإمام الشافعي رحمه الله في أمر قريب مما تقدم.. وذلك عندما دخلت عليه امرأة في مرضه تدعو له وتقول ( أدعو الله أن يُشفيك ) تبسم الشافعي وقال ( اللهم بقلبها لا بلسانها )لأن الشفاء يأتي من يَشْفي غير يُشفي بمعني الهلاك.
ونؤكد على أن العرب حرصوا على لغتهم، وأولوها مزيد عنايتهم، وكانت ميزان تفاضلهم؛ ولذا سعوا إلى التعمق في دراسة أسرارها وفهمها؛ إذ هي السبيل لفهم النصوص الدينية.
- كان الحس اللغوي لدى الصحابة والعلماء والأئمة استمد أسسه من إدراكهم لأهمية اللغة في تغيير المعنى.
- تفسير كتاب الله تعالى يحتاج إلى إلمام شديد باللغة العربية، ورصيد كبير منها، وهذا ما جعل الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين يستعينون بالشعر الجاهلي في تفسير القرآن الكريم.. واستقراء ما غمض من معانيه.
- التحرز اللغوي لدى علماء العرب جعلهم يضعون اللغة والإفتاء فيها بمنزلة العلوم الشرعية، ويمثل النحو عمود العربية وأساسها وقانونها وميزانها.
حث الخلفاء الراشدون على تعلم اللغة العربية والتحدث إليها وحفظها ورعايتها، وذلك لمكانتها العظيمة في الدين.
- قبح اللحن – الوقوع في الأخطاء اللغوية – لدى العلماء لأنه يفسد المعنى ويغيره، ويقله إلى غير المراد، وخاصة حينما يكون في قراءة كتاب الله تعالى.
- الوقوع في اللحن وضياع اللسان أشد ضررا من ضياع المال، وهناك ذم مستقبح للتقعر والتشدق والتحذلق والتكلف.الوقوع في اللحن والخطأ اللغوي وضياع اللسان أشد ضررا من ضياع المال
كتاب (في فضل اللغة العربية )
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة