الأستاذ الدكتور / أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
العملية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً عملية صالحة للمسلمين؛ ما نهى عن شيء وأتاه، وما أمَر بشيء إلا وكان أسرعَ الناس إلى القيام به.
حينما شُرعت الصلاةُ كان أول ما قال: ((صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي)).
وفي ساعات الفزع كان هو أسرعَ الناس إلى النَّجدة والتصدي وإغاثة الملهوف: فزِع أهل المدينة ليلةً لصوت رهيب، وجَلَبة عاتية، فانطلق أناسٌ قِبَل الصوت، فتلقَّاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعًا قد سبَقهم إلى الصوت، وقد استبرأ الخبرَ على فرسٍ لأبي طلحة عُرْيٍ، والسيف في عنقه وهو يقول: ((لن تُراعوا)).
قال عليُّ بن أبي طالب: إنا كنَّا إذا حمِي البأسُ واحمرَّت الحَدَق، اتَّقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فما يكون أحدٌ أقرب إلى العدو منه، وقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو أقربُنا إلى العدو، وكان أشدَّ الناس يومئذٍ بأسًا.
وكان - عليه السلام - قدوةً مُثلى، لا في مواقع النصر فحسب، ولكن في مِحَن الانكسار ففي أُحُد اشتدَّ الكرب بالمسلمين، وانكشفوا عنه بعد أن خالَفوا أمره، وخلص إليه الكفارُ؛ فكُسِرت رَبَاعِيَتُه، وشُجَّ وجهه، وجُرِحت شَفَتُه، ومع ذلك ثبَت في موقعِه مع قلةٍ من المؤمنين تُعَد على أصابع اليد الواحدة، وتمكَّن - ودمُه يغطي وجهه - من قتلِ رأسٍ من رؤوس الكفر هو أُبَيُّ بن خلف، طعَنه رسول الله برمح في عنقه، وبلَغ من فزعه أن قال وهو يحتضر: فوالله لو بصَق علَيَّ محمدٌ، لقتَلني.
وفي المرحلة الأولى من غزوة حنين حين اشتد الزهوُ بالمسلمين، وأعجبتْهم كثرتُهم، انحَدَرت عليهم هوازن، وانكشف الكلُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا القلة القليلة، ووقف النبي صلى الله عليه وسلم قدوةً في الثبات والشجاعة وهو ينادي الكثرةَ المفزوعة: ((أين أيها الناس؟ هلُمُّوا إليَّ، أنا رسول الله، أنا محمدُ بن عبد الله)).
وفي الخندق كان النبي صلى الله عليه وسلم يَحفِرُ مع أصحابه ويحمل معهم الترابَ، والغبارُ يغطي وجهه ولحيتَه، وهو يُشارِكُهم أهازيجَهم وأرجازَهم.
الاقتداء بالنبي هو طوق النجاة للعبد فى الدنيا والآخرة
نعم، بالقدوةِ الحسَنة استطاع النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يغرِسَ قِيَم الإسلام في نفوس أصحابه، وأن يعمِّق في نفوسهم حبَّ الحق والخير والشجاعة والوفاء والإخلاص.
وقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الاقتداء به هو طوق النجاة للعبد في الدنيا والآخرة، ولقد كان الصالحون إذا ذكر اسم النبي - صلى الله عليه وسلم يبكون شوقا وإجلالا ومحبة لَهُ، وكيف لا يبكون؟ وقد بكى جذع النخلة شوقا وحنينا لما تحوَّل النبي - صلى الله عليه وسلم عنه إلى المنبر، وكان الحسنُ إذا ذَكَرَ حديث حَنينَ الجذع وبكاءه، يقول : ((يا معشر المسلمين، الخشبة تحن إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم- شوقا إلى لقائه؛ فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه)).
إن واجبنا الاقتداء بسيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعلها المثل الأعلى للإنسان الكامل في جميع جوانب الحياة، واتباع النبي - صلى الله عليه وسلم دليل على محبة العبد ربه، وسينال محبة الله تعالى لَهُ، وفي هذا يقول الله –عز وجل- {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران:31] فسيرة الرسول – صلى الله عليه وسلم- كانت سيرة حية أمام أصحابه في حياته وأمام أتباعه بعد وفاته، وكانت نموذجًا بشريًا متكاملًا تبعث على الحب والإجلال والحنين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
القدوة الصالحة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة