الأستاذ الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
إن تكلمت عن الصحابيات، رضي الله تعالى عنهن، وعن أمهات المؤمنين، فإنني سأدخل بحرًا وأخوض بحرًا لجته عميقة، ولا شاطئ له، ولا أخفيكم سرًا، أنني حاولت أن أتي بالصحابيات ونساء النبي صلى الله عليه وسلم، فوجدت أن القائمة، مليئة بهؤلاء الذين ادخروا حياتهن كلها لله رب العالمين، وإن تكلمت عن أم سلمة، فإنني لم أترك أم المؤمنين السيدة عائشة، وإن تكلمت عن السيدة عائشة، رضي الله تعالى عنها، لن أترك السيدة جويرية، وإن تكلمت عن السيدة جويرية، لن أترك الكلام عن السيدة فاطمة الزهراء، رضي الله تعالى عنهن جميعا، وإن تكلمت عن السيدة فاطمة الزهراء، لن أترك الكلام عن السيدة زينب بنت الإمام الحسين، رضي الله عن آل بيت سيدنا صلوات ربي وسلامه عليه، وإن تكلمت عن السيدة زينب رضي الله تعالى عنها، فلابد أن أتكلم عن اضطهاد آل بيت النبي صلوات ربي وسلامه عليه، خاصة النساء، بعد استشهاد الإمام الحسين، رضي الله تعالى عنه، فلكل واحدة منهن قصة كبيرة، ولا أخفيكم سرًا وجدتني أجلس ليالي كاملة في حيرة، ماذا أختار من هؤلاء ؟
إن تكلمت عن نساء آل البيت، أمامي زخم كبير من النور، والجهاد، والصبر على البلاء، لا ينقطع، وإن تكلمت عن أمهات المؤمنين، فإني سأرى صنفا أشاد بهن الملك، في سورة الأحزاب، ماذا أقول بعد أن تحدث الملك عنهن، عن نساء النبي صلوات ربي وسلامه عليه.
وأنا في معية الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه أحاول جاهدًا، أن أقدم لكم نماذج، وشخصيات جديدة على أسماعكم، كثير منها تأثرت بها في حياتي، وكثير منها أتحدث عنه لأول مرة.
{ قد أفلح من زكاها } المرأة التي معذرة، نام زوجها بجوارها، ثم تسحبت، وانسحبت قليلا دون أن يدرك بانسحابها، وأقامت ليلا جميل لا تسمع إلا بكاءها، لا تسمع إلا همهمة دعائها، ما هذا الجمال؟
استخلاص للنفس، المرأة التي مات أولادها شهداء، الأربعة ومات زوجها شهيدًا، وتحتسب هؤلاء، وتخلو إلى ربها حامدة شاكرة، بعد أن أصبح البيت فارغا عليها، لم تجن، ولم تنتحر، ولم تصب بلوسة عقلية.. لا، وإنما دخلت في مرحلة (مرحلة الأنس ) الأنس بالله عز وجل .
الدنيا أصبحت خالية عليها، لا أحد معها، الذين كانوا يملأون البيت، استشهدوا، أو ماتوا. المرأة التي رأت أولادها الثمانية، يستشهدون أمامها، لم تنتحب انتحابا، إنما فرحت، وقالت لمعزيها : قولوا لي هنيئا لك، لا تعزوني لا تصيحوا بجواري، الثمانية يسبقونني إلى الجنة، لم تلطم خدا، ولم تصرخ .
المرأة الصماء البكماء العمياء القعيدة، من منكم لا يعرفها، عندما يمر هذا الرجل على بستان، ويمسك بالتفاحة ويأكل نصفها، وكان جوعانا، عابر سبيل، ما كان موجودا في هذا الوقت مطاعم، ولا استراحات، ولا كافيتريات، وقد أكل الجوع كبده، فنتحى إلى حديقة، فرأى تفاحة ملقاة على الأرض، فأكل نصفها ثم تذكر أنها ليست له، حرام أن يأخذها، فذهب إلى البستاني، فقال له يا رجل، كنت جوعانًا فأكلت هذه عفوًا أتسامحني فيها، تسامحني في نصف التفاحة، وخذ أنت النصف الأخر، فقال لا أملك، أنا أعمل في هذا البستان، أنا عامل، ولست صاحب قرار، فقال له من صاحب القرار، قال هيا بنا إلى صاحب الحديقة، فذهبا إلى صاحب الحديقة، فطرقا عليه الباب، ففتح لهم الباب فقَص عليه القصة، فسُرّ الرجل بما فعل هذا الشاب، الزاهد الورع، فقال له سأسامحك، وأزوجك ابنتي، لكنها صماء بكماء عمياء قعيدة، فقال له إني أوافق على هذا على أن تسامحني على نصف التفاحة.
قال فلما تجهزنا للزواج، دخلت عليها، فوقفت فعلمت أنها ليست قعيدة، فألقيت عليها السلام، فردت علي السلام، فعلمت أنها تسمع، وأنها تتكلم، ورأيتها تبصر بعينيها، فإذا هي ليس كما قال أبوها، فقلت لها قال أبوك أنك صماء بكماء عمياء قعيدة، قالت له نعم صدق أبي، إنني عمياء عن الحرام، المرأة المسلمة، لا أنظر إلى حرام، إنني خرساء لا أسمع إلا كل خير، إنني بكماء لا أتكلم إلا بكل خير، إنني قعيدة عن كل حرام، لا أتحرك أبدًا إلا إلى الحلال .
إنها بكماء صماء عمياء قعيدة، عن كل ما يغضب الملك، قال فدخلت بها، لم تنته القصة، إنما أنجبا رجلا بورعهما وزهدهما، هذا الرجل غير مجرى التاريخ، وهو الإمام أبا حنيفة النعمان.
مرحلة الأنس بالله عز وجل هي حال هؤلاء الرجل الورع لا يكمل التفاحة، وكان جوعانا، ويذهب ويعتذر، أينا فعل مثلما فعل.
وددت أن أكلمكم عن أميرة بنت أميرة، جاءت على خاطري الأن، وهي زوجة سيدنا عمر بن عبد العزيز، تنغمس في أبهة الدولة، والسيادة، وفي الحكم، ورغم هذا تعيش زاهدة، وتموت زاهدة، وتقف زاهدة خلف إمام عادل، إمام زاهد، وهي لا تحب أن تشبع من الدنيا، إنما تنحت المرأة جانبا عن زخرفة الدنيا، وزينتها، هذا لعمري هو الفوز العظيم، أيكم أم الصهباء، وما أدراك ما أم الصهباء" معاذة بنت عبد الله العدوية" وهي من النماذج التي أنارت ليلها، وأضاءت نهارها، واستنار قلبها، لا عجب أن تصلي في اليوم، والليلة ستمائة ركعة، لا عجب، وتختم القرآن وهي تصلي، لأنها حافظة للقرآن، مذ كان عمرها تسع سنوات، ما هذا الجمال، تحيا على هذا الحال ستمائة ركعة، معظمها في الليل، لا تقل لي متى تنام، ولا كيف تنام، لكن اسألني عن الهمة العالية عندها، عن الصبر أم الصهباء، رضي الله عنكِ، إني أرحب بك أم الصهباء، فهي نموذج متميز للمرأة المسلمة، يموت زوجها أبو الصهباء، شهيدا أمامها في سبيل الله ما أنا صانع، ماذا أفعل ؟ ماذا عساها أن تفعل أم الصهباء ؟
لا تنسوا أم الصهباء، ثم يستشهد أولادها أمامها، ولم تهتز، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا، وما استكانوا، أم الصهباء، هذه السيدة معاذة، رضي الله تعالى عنها، بنت عبد الله العدوية، وهي على هذه الحالة، أصبحت حياتها كلها خالصة لله عز وجل، انزوت عن الدنيا، وانزوت الدنيا عنها.
تعيش في حالة جهاد مع النفس، وقوة ويقين، تصلي ثم يضعف بدنها، تقوم تتحرك داخل البيت، كي تبقى يقظة، كي تؤدي أورادها، كي تؤدي أذكارها، تتحرك، وهكذا، وتقول هنا القبر، هنا النار، أتذكر القبر، أتذكر النار، ثم تصلي ركعتين، وتنتهي، تستشعر أنها في حاجة إلى شحنة إيمانية، تتحرك في البيت، هنا القبر، هنا النار، تستعيد نشاطها، ثم تذهب وتصلي ركعتين، ثم تشعر أن بدنها لا يقوى على حملها، تتحرك هنا القبر هنا النار، ظلت على هذه الحالة، وهي حالة فريدة جميلة، أم الصهباء تقدم سنها، رضي الله تعالى عنها، وذات ليلة انتهت من أذكارها، وأورادها، وصلاتها، وجلست، وهي مريضة متعبة، واجتمعت النسوة حولها، لعلها تنتظر ملك الموت، وفجأة بكت، استغرقت في بكاء، يذكرني ببكاء سيدنا معاذ عند الموت، وفجأة ضحكت، سألها أهلها ماذا بك أم الصهباء ؟
قالت ضحكت فقالت بكيت، لأنني تذكرت الصلاة والصيام، والذكر والقرآن، وأنني سأغادر هذه الدنيا، وددت لأبقى كي أستمر في الطاعة، لأن الطاعة هي زادي، وزوادي، لأن الطاعة هي الهواء الذي أتنفس، هي الماء الذي أشرب، لأن العبادة هي الحياة التي أعيش بها، وأحي بها، بكت، على أنها لم تكمل مسيرتها في الصلاة، وفي قيام الليل، وما أدراك ما ليلهم، ليلهم ليل أخر، بخلاف أيامنا، وليالينا، تقول ثم ضحكت، فقالوا لها، ماذا بك ؟ قالت ضحكت لأنني رأيت أبا الصهباء، وكان قد مات شهيدا، يلبس ثوبين خضروين، وحوله رجال عظام، لم أر مثلهم قط، وجدت شيئا ليس له نهاية، وأبو الصهباء زوجها الشهيد، يتقدم هؤلاء الصنف من الناس وامتلأ المكان بهم وهو يتقدمهم، فضحكت يا أبا الصهباء، فأشار إليها، أي أتى الموعد إني أنتظرك، وانصرف هكذا وحوله رجال عظام، وخلق عظام، فضحكت، وقالت : لم أدرك صلاة فرض بعد هذا، بعدها شهقت شهقة الشوق فماتت .
لن أقول لكم، أيكم أم الصهباء، لا سأظلم النساء في عصرنا، إذا قلت لهن أيكم أم الصهباء، لكنني أقول لكم، ما الحال الذي أعطاها، هذه القوة في العبادة.
مع العابدات.. لكل واحدة منهن قصة كبيرة قدّمن فيها أروع النماذج في الشوق إلى الله رب العالمين
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة