الدكتور/ أحمد عبده عوض
الداعية والمفكر الإسلامى
من أقوى دعائم البيوت السعيدة حفظها من قبل الزوج والزوجة، فالزوج راع والمرأة راعية فى هذا البيت السعيد الذى تظلله طاعة الله ويشمله رضى الرحمن.
ومن أبرز مظاهر حفظ البيوت السعيدة ألا تفشى الزوجة سر بيتها، وألا تنظر لغير زوجها، وألا تُطْمِع من فى قلبه مرض ، وألا تنزع ثيابها فى غير بيتها، وأن تظل فى حدب وجهد حتى تحافظ على جنتها التى تثمر فيها أشجار الطاعة فتشملها وزوجها وأبناءها .
وكذلك الزوج من حفظه لزوجته ألا يمد عينيه إلى غير زوجته، وأن يغمر زوجتها بأحاسيسه ومشاعره فهى أولى بحبه وإحسانه ومشاركته الوجدانية، وأخلاقه الربانية.
من حفظ الزوجة لزوجها ألا تُفشى سرَّ الجماع وتخبرَ بما فعلتْ معه وتنشرَه، وهذا المحذور مشتركٌ بين الزوجين؛ لقوله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» [أخرجه مسلم فى النكاح 1437] .
وعن أسماءَ بنتِ يزيدَ الأنصارية رضى الله عنهما أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم قال: «لَعَلَّ رَجُلاً يَقُولُ مَا يَفْعَلُ بِأَهْلِهِ، وَلَعَلَّ امْرَأَةً تُخْبِرُ بِمَا فَعَلَتْ مَعَ زَوْجِهَا»، فَأَرَمَّ القَوْمُ [أي: سكتوا ولم يجيبوا]، فَقُلْتُ: إِى وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُنَّ لَيَقُلْنَ وَإِنَّهُمْ لَيَفْعَلُونَ، قَالَ: «فَلاَ تَفْعَلُوا، فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الشَّيْطَانِ لَقِى شَيْطَانَةً فِى طَرِيقٍ فَغَشِيَهَا وَالنَّاسُ يَنْظُرُونَ» [أخرجه أحمد فى مسنده 6/456] .
وهذا إنما يحرم إذا كان الإخبار عن الوقاع على وجه التندُّر والتفكُّه، أمَّا إذا كان إفشاءُ السرِّ أو بعضِه ممَّا تدعو إليه الحاجة الشرعية: كالاستفتاء والقضاء والطبِّ ونحو ذلك فيجوز بقدره، ويدلُّ على جوازه أنه لمَّا سئل النبى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن الرجل يجامع زوجته ثمَّ يُكْسِلُ -وذلك بحضرة عائشةَ رضى الله عنها- قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنِّى لَأَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا وَهَذِهِ ثُمَّ نَغْتَسِلُ» [أخرجه مسلم: 350]، وكذلك سأله عمر بن أبى سلمة الحميرى رضى الله عنه عن القُبلة للصائم، فقال: أَيُقَبِّلُ الصَّائِمُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَلْ هَذِهِ»، لأُمِّ سَلَمَةَ فَأَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُ ذَلِكَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ غَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا وَاللهِ إِنِّى لأَتْقَاكُمْ للهِ وَأَخْشَاكُمْ لَهُ» [أخرجه مسلم: 1108].
ولا يجوز للمرأة أن تخلع ثيابها فى غير بيت زوجها أو أهلها أو محارمها، وقد ثبت عن النبى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أنه قال: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَزَعَتْ ثِيَابَهَا فِى غَيْرِ بَيْتِهَا خَرَقَ اللهُ عَنْهَا سِتْرَهُ» [أخرجه الحاكم فى المستدرك 4/321].
وعن أبى المَلِيحِ الهُذَلِيِّ: «أَنَّ نِسْوَةً مِنْ أَهَلِ حِمْصَ اسْتَأْذَنَّ عَلَى عَائِشَةَ؛ فَقَالَتْ: لَعَلَّكُنَّ مِنَ اللَّوَاتِى يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ يَقُولُ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِى غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ» [أخرجه ابن ماجه 3750] .
قال المُناوى -رحمه الله-: «(وَضَعَتْ ثِيَابَهَا فِى غَيْرِ بَيْتِ زَوْجِهَا): كنايةٌ عن تكشُّفها للأجانب وعدم تستُّرها منهم (فَقَدْ هَتَكَتْ سِتْرَ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ): لأنه تعالى أنزل لباسًا ليوارين به سوءاتهنَّ وهو لباس التقوى، وإذا لم تتَّقين اللهَ وكشفْن سوءاتهنَّ هتكْنَ الستر بينهن وبين الله تعالى، وكما هتكتْ نفسها ولم تصُنْ وجهها وخانتْ زوجها يهتك الله سترها، والجزاء من جنس العمل، والهتك خرْقُ الستر عمَّا وراءه، والهتيكة الفضيحة» [ فيض القدير 3/136].
و قد علّل المباركفورى شارح سنن الترمذى هذا النهى بقوله : (لأنها – أى المرأة - مأمورة بالتستر والتحفظ من أن يراها أجنبى حتى لا ينبغى لهن أن يكشفن عورتهن فى الخلوة أيضا إلا عند أزواجهن، فإذا كشفت أعضاءها فى الحمام – يقصد به الحمامات العامة التى كانت معروفة فى ذلك الزمان وهى ما يسمى بالحمام العربى أو التركى فى بعض البلاد العربية - من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذى أمرها الله تعالى به) .
وقد تتكشَّف فى غير بيتٍ آمنٍ ويحصل أن تكون معها امرأةُ سوءٍ تصفها لمن يرغب فيها على ما رأتْ من حسنها ويجرُّه ذلك إلى الإثم، وقد قال صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: «لاَ تُبَاشِرِ المَرْأَةُ المَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا» [أخرجه البخارى 5240].
وإذا راقبت المرأة المسلمة ربها، وقامت بما أوجب الله عليها، وتركت ما نهاها الله عنه، وأدت حقوق زوجها، وحفظته فى ماله، وفى نفسها فى حال وجوده وفى حال غيبته، أكرمها الله بكرامات عديدة، ومنحها عطايا جزيلة؛ منها:
أولاً: مغفرة الذنوب، قال - تعالى -: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا}[الأحزاب: 35].
ثانيا: يسكنها جنة الفردوس، فقد عدد الله صفات عباده المفلحين فى أوائل سورة المؤمنين، ومن تلك الصفات ما جاء فى قوله - تعالى-:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}[المؤمنون:5، 6].
بل يقال لها: ادخلى من أى أبواب الجنة شئت! فعن عبد الرحمن بن عوف -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا صلت المرأة خمسها ( أي: الصلوات الخمس المكتوبات، وذلك بعد إيمانها بربها) ، وصامت شهرها (أي: رمضان)، وحفظت فرجها (عما حرم الله عليها)، وأطاعت زوجها (فى غير معصية) ؛ قيل لها: ادخلى الجنة من أى أبواب الجنة شئت)) [رواه أحمد(1664)، وقال الألباني: “حسن لغيره” كما فى صحيح الترغيب والترهيب 1932 ].
وقد عملت النساء المؤمنات من سلفنا الصالح بهذه النصوص القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة؛ فقمن بأمر الله، واجتنبن نواهيه، وقمن بحقوق أزواجهن عليهن، ومن تلك الحقوق: حفظ أموالهم، وحفظ أنفسهن فى حال حضورهم ووجودهم، وفى حال سفرهم وغيبتهم، وهذه قصة حصلت فى خلافة عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- تدل على ذلك؛ فعن سعيد بن جبير - رحمه الله - قال: ((كان عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- إذا أمسى أخذ درته ثم طاف بالمدينة، فإذا رأى شيئا ينكره أنكره، فبينما هو ذات ليلة يعس إذ مر بامرأة على سطح، وهى تقول:
تطاول هذا الليل واخضل جانبه
وأرقنى أن لا خليل ألاعبه
فوالله لولا الله لا رب غيره
لحرك من هذا السرير جوانبه
مخافة ربى والحياء يصدنى
وأكرم بعلى أن تنال مراكبه
ثم تنفست الصعداء، وقالت: لهان على عمر بن الخطاب ما لقيت الليلة، فضرب باب الدار، فقالت: من هذا الذى يأتى إلى امرأة مغيبة هذه الساعة؟ فقال: افتحي، فأبت، فلما أكثر عليها، قالت: أما والله لو بلغ أمير المؤمنين لعاقبك، فلما رأى عفافها، قال: افتحى فأنا أمير المؤمنين، قالت: كذبت ما أنت أمير المؤمنين، فرفع بها صوته وجهر لها، فعرفت أنه هو ففتحت له، فقال: هيه، كيف قلت؟ فأعادت عليه ما قالت، فقال: أين زوجك؟ قالت: فى بعث كذا وكذا، فبعث إلى عامل ذلك الجند أن سرح فلان بن فلان، فلما قدم عليه، قال: اذهب إلى أهلك ثم دخل على حفصة ابنته، فقال: أى بنية كم تصبر المرأة عن زوجها؟ قالت: شهرا واثنين وثلاثة، وفى الرابع ينفد الصبر، فجعل ذلك أجلا للبعث)) [روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ص210].
فهذه المرأة لما غُرست رقابة الله فى قلبها، وسيطرت على كيانها أثمر ذلك تعظيمها لربها، وحفظها لحق زوجها، ذلك أن مراقبة الله من أعظم الوسائل المعينة على حفظ حدود الله، نسأل الله العلى العظيم أن يحفظ بيوتنا وبيوت المسلمين بحفظه وأن يحصنها بحصنه وأن يكلأها بعينه التى لا تنام، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
حفظ الزوج لزوجته وحفظ الزوجة لزوجها
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة