النفحات الإيمانية... شفاء نفسي وجسدي

روائع الفتح
طبوغرافي

ندرك يقيناً أنّ بالإيمان وتعاليم الدين وكتاب الله عزّ وجل هي طرق عظيمة للاستشفاء النفسي والبدني، وهذا ما أكده الله عزّ وجل في كتابه، وما جاء به الحبيب المصطفى خير البشر نبينا ومرشدنا خاتم المرسلين محمد صلى الله عليه وعلى آله سلم. يقول الله عز وجل «يَا أَيُّها النَّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا في الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِين»، وقال تبارك وتعالى «وننَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ». وفي صحيح ابن حبان عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها وامرأة تعالجها أو ترقيها، فقال: عالجيها بكتاب الله.
وفي هذا الفضاء العلمي كٌتب كثيرة أهمها القرآن ويليها الطب النبوي ثم الكتب التي تم تأليفها ونشرها في مجال تداوي النفس والبدن، ولعل من بينها كتاب «المواعظ الايمانية من الآيات القرآنية» للكاتب أمير بن محمد المدري وهو متوافر بالانترنت. وإذا انطلقنا إلى ساحة الطب النفسي الحديث، فقد أكدّت الدراسات النفسية إلى وجود رابطة قوية بين وظائف الدماغ وبين المشاعر والسلوك الإنساني تحت منظومة وآلية تؤيد مبدأ العلاقة بين الإيمان والوظائف البدنية في ظل الاكتشاف المذهل لمراكز بالدماغ تنشط بالإيمان والعبادة لتستعيد توازن وظائف النفس والبدن وشددت الدراسات على أن الإيمان فطرة مغروسة بالنفس، وفي نشاطها شفاء للنفوس والأبدان، والاستشفاء بالقرآن الكريم هو ليس فقط ترديد كلمات بلا إدراك، وإنما هو تحفيز وتنشيط لعوامل الشفاء الذاتي وإصلاح جذري للنفس والبدن.
وفي هذا الصدد أكدت دراسة علمية أجرتها الطالبة شاهيناز حسن بعنوان «الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية في ضوء السنة النبوية» والتي حصلت بها على درجة الماجستير من جامعة «أم القرى» بالمملكة العربية السعودية أن الإيمان بالله عز وجل والمحافظة على الصلاة وأداء الزكاة والصدقات وصوم رمضان والعمرة والحج وقراءة القرآن الكريم علاج فعال لكل الأمراض النفسية التي قد تصيب الإنسان من مثل: القلق، والاكتئاب، والوسواس القهري، والأرق وغيرها. وأكدت الباحثة أن الإيمان بالله عزّ وجل هو المسار الأول في الوقاية والعلاج من الأمراض النفسية، حيث يؤمن الإنسان أرفع مستوى من الصحة النفسية في تحقيقه الكامل للتوحيد ومعنى الشهادتين، وتجنبه لكل أبواب الشرك وانصرافه عن الشعوذة والبدع والخرافات، وأكدت على أن الإيمان بالله إذا ما تم زرعه في نفس الطفل منذ الصغر فإنه يعمق ثقته بنفسه، ويكسبه الثبات، ويمنحه مناعة ووقاية من الإصابة بالأمراض النفسية، قال تعالى «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ». وأكدت الباحثة في دراستها أن المحافظة على أداء الصلاة خمس مرات مع التسبيح والدعاء والاستمرارعلى الأذكار بعدها تعطي الإنسان الشعور بالراحة النفسية والاسترخاء، مما يدعم جهازه المناعي، وتخلصه من القلق والتوتر العصبي، وكان الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام يقول لبلال بن رباح رضي الله عنه «يا بلال، أقم الصلاة أرحنا بها».
وإذا تحدثنا عن الوضوء فإنه وسيلة يستخدمها بعض أطباء العلاج النفسي لعلاج مرضاهم، حيث يسهم في تخفيف حدة التوتر، وتخفيض نسبة الهموم والأحزان في الحياة اليومية، حيث تنتشر في أجسادنا شعيرات عصبية تتأثر بكل ما يتلقاه العقل والجسد من انفعالات، وفي تعرّض هذه الشعيرات العصبية للماء تكون النتيجة الاسترخاء والهدوء. ولا نغفل هنا الاهتمام بالبقاء على وضوء طوال اليوم فهذا يساعد على بقائنا في حالة هدوء وسكينة. وقد رأي نعيم بن عبدالله أبا هريرة يتوضأ، فغسل وجهه ويديه حتى كاد يبلغ المنكبين، ثم غسل رجليه حتى رفع إلى الساقين، ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن أمتي يأتون يوم القيامة غُرًّا مُحَجَّلين من أثر الوضوء؛ فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل».
هذا وقد أظهرت دراسة الباحثة شاهيناز حسن أنّ لقيام الليل دورا كبيرا وفعالا في الاسترخاء وتحقيق الهدوء والسكون، وفي تفريج الهموم وتفريغ الأحزان في أوقات الأسحار، وساعة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيرًا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك كل ليلة».وأكدت الباحثة على ضرورة التوجه إلى الله تعالى بالدعاء، فالدعاء نوع من التفريغ الانفعالي والتعبير عما تختلج به النفس، فالداعي يبث أحزانه لخالقه يقول الله عزّ وجل «قَالَ إنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وحُزْنِي إلَى اللَّه». وفي دراسة أخرى أُجريت في بريطانيا، أكدت بأن الدين قد يزيد من فاعلية العلاج النفسي للمسلمين في بريطانيا، فغالبا ما يغفل الأطباء والمعالجون النفسيون دور الدين في التعامل مع الاضطرابات النفسية، لكن الدراسة أظهرت أن علاج تلك الاضطرابات لدى المسلمين تعتمد على زيادة الالتزام بتعاليم الدين وممارسة شعائره، وأكدت هيئة الرعاية الصحية الوطنية «ان اتش اس» في بريطانيا إن مشروعا بدأ استنادًا إلى أحد الأبحاث التي أُعدت في جامعة ليدز البريطانية، يتعامل مع أثر الدين الإسلامي في علاج الاضطرابات النفسية والعقلية، ويُظهر إشارات ونتائج ملموسة في أثر الممارسات الدينية في تحسين الجانب النفسي.
وكما أشرنا سابقا بأن للقرآن الكريم قوة شفائية مذهلة، وقد أثبتتها التجارب المعملية في مؤسسة العلوم الطبية الإسلامية في مدينة بنما سيتي بأميركا حيث أثبتت التجارب أن للقرآن أثرا مهدئا فهو يُخفف نسبة توتر الجهاز العصبي في 97 في المئة من الحالات التي تمت دراستها وإخضاعها للتجربة بالعلاج القرآني.