الصيام والاضطرابات النفسية

صحة وجمال
طبوغرافي

إيمان السيد_n

 

بقلم الدكتورة/ إيمان السيد محمد..

الأخصائي النفسي والباحث في العلوم السلوكي

 

الصيام هو فريضة فرضها الله تعالى على المسلمين، وجعل له أهدافه الظاهرة والباطنة.. والهدف الظاهر معلوم من الامتناع عن الأكل والشرب والإمساك عن الشهوات قربة لله تعالى. وأهدافا باطنة خفية مثل تزكية النفس والتطهر من النفاق وحسن مراقبة الله تعالى في الخفاء وتدريب النفس على الصبر والإمساك حتى وإن كانت مستطيعة قادرة.
وللصيام آثار إيجابية عظيمة الفائدة من الناحية النفسية أو على المرض النفسي بصفة عامة مثل أمراض الاكتئاب والقلق.. وغيرها وخاصة مما يعانون من العزلة أو الضيق والاضطراب النفسي .. فعن طريق الصيام يتقرب مريض الاكتئاب إلى الله تعالى بالطاعة وتزكية النفس حتى يصل إلى درجة من الهدوء والاتزان النفسي والاطمئنان والراحة.. بل ويتغير مزاج المريض إلى الأفضل.. حيث يشعر بالسعادة وبها يخرج من حالة الضيق والحزن التي تكون طاغية عليه كما قال رسولنا الكريم للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه.
وللامتناع عن الأكل والشراب وإشباع الشهوات فائدة عظيمة من تدريب المريض على تحمل الآلام النفسية والجسدية من خلال العمل على تقوية الجوانب الشخصية ورفع الروح المعنوية والطاقة ودوافع الإنجاز مما تمكن المريض من التغلب على المرض النفسي وإهمال التعلق به.. كما أن الصيام يعمل تحسين كفاءة مواد الناقلات العصبية التي تنتج في المخ عند حدوث آلام، وضبط توزان السيروتونين، وهي من مضادات الاكتئاب الفاعلة والتي يضخها المخ أيضا.
وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما وصف الصوم بأنه جنة لما له من صفات عظيمة من تهيئة النفس البشرية وتنقيتها من كافة المشكلات والرواسب والهموم الحياتية والضغوط والعمل على إضفاء قدر كبير من الرضا واللين والتسليم بالقدر وهذا الأسلوب من أهم طرق العلاج النفسي وأهدافه.. ولا يقف الصيام على علاج أمراض الاكتئاب أو القلق فقط حيث يتعدى إلى الأمراض العصابية أيضًا لما له من قدرة على تقليل التوتر والضغط العصبي من خلال إلهاء المريض بروحانيات العبادة ولذة الطاعة مما يضيق الخناق أمام أصحاب الوساوس المرضية حيث تشغله عن القيام بأفعاله القهرية والانشغال بالعبادات الرمضانية وتقوية الإرادة في التخلص من الأفكار الوسواسية.
ومن أهم فضائل هذا الشهر الكريم الزيارات العائلية وصلة الرحم و اجتماع الأصدقاء وهذا مفيد جدا في علاج أصحاب أمراض الرهاب الاجتماعي بما يقدمه من علاج سلوكي تدريجي وإشراك المريض شيئا فشيئا داخل الجو الأسري والمجتمعي في جو ملئ بالهجة والحب والسرور.
شهر رمضان الكريم فرصة عظيمة أيضًا لكل إنسان يختلف ظاهر أفعاله عن بواطن سريرته وطباعه، فهو تجربة عملية للتقوى والرجوع إلى الله تعالى وتطهير النفس وعلاجها من أمراض النفاق والوصول إلى الاتزان النفسي والذي يكتمل صاحبه بين النفس والجسد.