«وحوي» و«حالّو»

شعر وشعراء
طبوغرافي

اللغة كائن حيّ، تحيا على ألسنة الناس، ويحيا بها الناس أيضًا؛ إذ إنها وسيلة التواصل بين البشرية جميعًا، ولذلك أشبهت الهواءَ الذي لا غنى للإنسان عنه، ومن هنا يأتي هذا المقال بعنوان "نسمات لغوية"، نسعى فيه جاهدين لتقديم فائدة لغوية في لغتنا العربية.

ونسمتنا في هذا العدد عن كلمتين ارتبطتا أشد الارتباط بشهر رمضان الكريم، وهما "وحوي" و"حالّو".
وقد تعلّمت من أستاذي العالم اللغوي الدكتور رمضان عبد التواب أن الحادثة التاريخيّة التي تفسّر لنا لفظة أو تعبيرًا لغويًّا تسمّى (بشاهد الحال) كما قال ابن جنّي في الخصائص: "الاعتقاد يخفى، فلا يعرف إلا بالقول، أو بما يقوم مقام القول من شاهد الحال".

وقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف عن معنى كلمة (وحوي) فأجاب الشيخ عطية صقر: تقول الكاتبة فاطمة صقر " الأخبار 12/5/1988م " إن عبارة وحوى يا وحوى إيُّوحة، ترجع إلى اللغة الهيروغليفية، ومعناها: افرحي يا إيوحة، وإيوحة هي أم (أحمس) الذي طرد الهكسوس من مصر، فلما نجح فى طردهم خرج الناس يهنئون أمه بذلك، والعهدة على الكاتبة في هذا، ولكن ما الصلة بينها وبين رمضان؟..."

وبهذا الجواب لم يعرف ما الصلة بين الكلمة ورمضان، ولكن هناك من قال بأن كلمة (أيوح أو إيّاح) تعنى في الفرعونيّة: القمر أو الهلال، و(وحوي) أي ذهب ورحل، وبذلك تكون (إيّوحة) أم أحمس سميت بهذا الاسم تيمنًا باسم القمر، ولا مانع من أن يقال لها ذلك (وحوي إيوحة) أي اذهبي فَرِحَة بالنصر.

وقيل إن الأطفال في العصر الفاطمي كانوا يرددون خلف وصيفة بنت السلطان حين تخرج في شهر رمضان أغنية مطلعها:
(أحوى.. أحوى.. إياها.. بنت السلطان.. إياها.. لابسة القفطان.. إياها)
ومن هذا وذلك جاءت الأغنية: (وحوي يا وحوي.. إياحا.. رحت يا شعبان.. إياحا.. وحوي نضار جيت يا رمضان). دالّة على تفرّد الشخصية المصرية الحديثة في الجمع بين الفرعونية والفاطمية زمانًا والعربيّة والهيروغليفيّة لغةً.

أما (حالّو) فيرجعها الصحفي والمؤرخ إبراهيم خليل في موسوعة أغنيات وحكايات إلى منتصف القرن الرابع الهجري، وشاهد الحال أنه عند دخول المعز لدين الله الفاطمي للقاهرة خرج جوهر الصقلي في موكب من منطقة »بين القصرين« ليستقبل المعز على مشارف القاهرة، وذلك يوم 7 رمضان سنة 362هـ، وكان بالموكب العديد من الأطفال الذين أخذوا يرددون: "حالّو يا حالّو" للترحيب بالمعز، ومن وقتها ارتبطت هذه الجملة بشهر رمضان في مصر.

والجدير بالذكر أن دخول المعز لمصر ارتبط أيضًا بفانوس رمضان، حيث خرج المصريون في موكب كبير للغاية على أطراف الصحراء الغربية من ناحية الجيزة للترحيب بالمعز الذي وصل ليلا، وكانوا يحملون المشاعل والفوانيس الملونة والمزينة لإضاءة الطريق له، وظلت الفوانيس تضيء شوارع القاهرة حتى آخر شهر رمضان، لتستحيل بعد ذلك عادة ثابتة كل عام؛ ويصير الفانوس رمزًا للاحتفال بالشهر الكريم.