أ.د / عبد الله أحمد جاد عبد الكريم
أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان
كثيرٌ من الناس يرددُ عبارة «لا أجدُ ما أُعبِّرُ به!» في بعض المواقف التي تقابله في حياته، ويا للأسف يدل ذلك على قلة ثروته اللفظية، وقلة تمكُّنه في اللغة العربية، فمعجم اللغة العربية من أثرى المعاجم اللغوية؛ إن لم يكن أكثرها ثراءً على الإطلاق، فبعض العلماء يرى أنَّ مفردات العربية يربو عن سبعة عشر مليون كلمة، في الوقت الذي لا يزيد معجم الإنجليزية عن المليون الواحد، واللغة الفرنسية لا يزيد معجمها عن ثمانمائة ألف كلمة..
.ولشدة اتساعها يقول عنها الإمام الشافعي «لا يُحيط بها إلا نبي»، ولذلك كانت اللغة العربية – بفضل الله تعالى- صالحة لحمل أمانة القرآن الكريم، دستور الله القويم الذي بين فيه سبيل السعادة في الدارين للناس أجمعين، فعبر القرآن الكريم بلسانها عن المرحلة التي سبقت خلق الإنسان، كمرحلة الجن؛ يقول تعالى( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات:56]، حيث يرى العلماء أن ذكر الجن قبل الإنسان في الآية الكريمة للترتيب التاريخي وليس للأفضلية. ثم عبر عن مرحلة بداية خلق الإنسان، قال تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً . قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ . قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [البقرة:30]، ثم عبَّر عن مرحلة خلق آدم عليه السلام، ثم مرحلة حياة أبينا آدم وأمنا حواء في الجنة، قال تعالى (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَٰذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ)[البقرة:35].
ثم عبَّر عن مرحلة الإخراج من الجنة والنزول والحياة على الأرض، وكذلك عبر القرآن الكريم عن قصص حياة الأمم السابقة وتعاقبها، وإرسال الرسل والرسالات قبل الإسلام؛ يقول تعالى (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِّن قَبْلِكَ مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ . وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ . فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ) [غافر:78]، ثم عبر عن مرحلة الإسلام مرحلة سيد الأنام؛ ومن ذلك قوله تعالى ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [الأنبياء:107]، وعبر عن مرحلة البعث والنشور؛ يقول تعالى ( يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا) [النبأ:18]، وعبر عن مشاهد يوم القيامة؛ ومن ذلك قوله تعالى ( يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (37) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (39) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ (40) تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ (41) أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ (42)) [عبس]، ومرحلة ما بعد الجنة والنار؛ ومن ذلك قوله تعالى ( وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين (27) في سدر مخضود (28) وطلح منضود (29) وظل ممدود (30) وماء مسكوب (31) وفاكهة كثيرة (32) لا مقطوعة ولا ممنوعة (33) وفرش مرفوعة (34)) [الواقعة]... كل ذلك وغيره بفضل الله تعالى ثم بفضل سعة العربية واتساعها وثرائها وفصاحتها وبيانها، يقول تعالى ( لسانٍ عربيٍّ مبين)[الشعراء:195].
ويقول حافظ إبراهيم على لسان العربية:
وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية
وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
أنا البحر في أحشائه الدر كامنٌ
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي