من الحياة : أسرة مصرية وحياتها اليومية وقصص نجاح مختلفة

قصص وروايات
طبوغرافي

الحاجة سعدية،،
كانت تعيش الحاجة سعدية وابنتها فرح، وأبناؤها الثلاثة محمد، وأحمد، ومحمود، وعم صابر -أبو الأبناء- فى الدور الخامس ببيتهم المملوك لهم، والكائن فى أحد الأحياء الشعبية القديمة.
وكانت الحاجة سعدية تهوى الحياكة وتسعد بها، وكانت تقوم بتفصيل كل ملابس الأسرة التى كانت تعيش فى سعادة، لولا أن أصيب عم صابر بمرض عضال، استمر معه قرابة العامين، ترك فيها عمله وأصبح عاجزًا عن أداء أى شيء.

بذلت الحاجة سعدية على شفائه كل ثمين وغالٍ، عسى أن يرد الله عليه صحته، ويعود إلى طبيعته كما فى السابق ويملأ الدنيا نورًا وبهجة وفرحًا.أصبح الحاج صابر شخصًا ضعيفًا جدًا يهشمه المرض، مما اضطرت الحاجة سعدية إلى بيع البيت الذى كان يؤويهم ويساعدهم على تحسين الحياة، واكتفت بغرفة فى بدروم البيت، لها شباك لا ترى منه إلا أقدام المارة، والتى كانت تستخدمها سابقًا فى التخزين.

وبعد صراع مع المرض توفى عم صابر، وترك أولاده الصغار حينها فى أمانة زوجته المخلصة ( سعدية)... لم تيأس الحاجة سعدية، وأصرت على تحمل المسئولية، واستكمال المسيرة على أكمل حال.

كانت الغرفة ضيقة جدًا ليس بها من الأثاث سوى سجادة تستخدم للجلوس والنوم عليها. وطبلية للأكل عليها والمذاكرة، ولمبة جاز للإضاءة، وماكينة للخياطة استخدمتها للعمل عليها، والصرف بما تحصل عليه على الحياة وتعليم أبنائها.

اعتمدت الحاجة سعدية فى تربية أبنائها على الله تعالى، وجعلتهم يتمسكون بتعليم القرآن الكريم وآدابه، واشتهروا بين أقرانهم بحرصهم الشديد على الصلاة والقيام، لم يتغير مظهر الأبناء ونظافتهم وتفوقهم فى دراستهم.. استمر الوضع على هذا الحال إلى أن تخرج الابن الكبير من كلية الطب، وصعدت الأسرة إلى شقة صغيرة بالدور الأول، وتركوا غرفة البدروم.

تزوجت فرح بعد تخرجها من كلية الإعلام من أحد زملائها الأثرياء، وعملت فى إحدى القنوات الفضائية بمرتب كبير، صعدت الأسرة إلى شقة أوسع فى دور أعلى.. استمر الوضع على هذا الحال إلى أن حصل جميع الأبناء على شهادات عالية منهم من أصبح مهندسًا، ومنهم من أصبح معيدًا.

واجتمع الأبناء بما فيهم زوج الابنة، وقرروا بناء فيلا كبيرة يعيشون فيها جميعًا، ويخصص الدور الأعلى للأم التى بذلت عمرها فى تربيتهم حتى صاروا لما وصلوا إليه.

صعد الأبناء إلى غرفة والدتهم ليؤدوا صلاة القيام عندها، ولكنهم فوجئوا بأن الحاجة سعدية تحتضن المصحف وهى مبتسمة ووجهها يشع نورًا، وإصبع السبابة يشير إلى الشهادة، وقد أسلمت روحها إلى بارئها.