أ.د / عبد الله أحمد جاد عبد الكريم
أستاذ اللغة العربية بجامعة جازان
عبارةٌ أرددها دائمًا لطلابي في الجامعة وغيرها، فيتعجَّب بعضُهم، لكن سرعان ما يتبدَّدُ هذا التَّعجب، ويبدأ الإعجاب بمضمونها؛ فلقد اهتمَّ العلماء العرب بجمع مفردات اللغة العربية في خزانات وسمُّوها (المعاجم)، والمعجمُ كتابٌ ضخمٌ يشتمل على عدد كبير من مفردات اللغة؛ من أجل توضيح معناها، واستعمالاتها اللغوية المختلفة، وأوَّلُ معجم عربي وضعه عبقري العربية العلامة الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت 170هــ)، وسمَّاه معجم «العين» نسبة إلى حرف العين أول أبوابه.
وتوالى الاهتمام المثير للإعجاب بوضع عشرات المعاجم، الأمر الذي أقرَّ به الأعداء قبل الأصدقاء، وأكد جميعهم أنه ما من أمة اهتمت بمعاجم لغتها ومفرداتها أكثر من الأمة العربية، فنجد عشرات المعاجم؛ منها: لسان العرب لابن منظور، تهذيب اللغة للأزهري، والقاموس المحيط للفيروزآبادي، والصحاح للجوهري،والمعجم الوسيط والوجيز لمجمع اللغة العربية بالقاهرة...وغيرها الكثير.
وهذا الأمر حيرهم وأدهشهم. وأقول دائمًا:إنَّ مفردات العربية أغلى من الذهب والفضة، فالذهب والفضة إن خسرتهما في الدنيا فقد يعوضك الله عنهما في الدنيا أو الآخرة أو في كلتيهما، أمَّا ضياع مفردات العربية فيعني ضياع العربية، هويتنا ومناط شرفنا وإعتزازنا وفخرنا وكرامتنا؛التي شرَّفنا الله بإنزال القرآن الكريم بلسانها (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِيٍنٍ) (الشعراء:195)، ويقول تعالى:(إنَّا أنْزَلْناهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا)(يوسف:2)، فشرَّفها الله تعالى بذلك، وشرَّفنا كذلك بالانتساب إلى العربية وأمَّة القرآن العربي والنبي العربي.
فلو ضاعت هذه المفردات لا قدر الله ضاعت العربية، ولن نتمكَّن من تفسير القرآن الكريم، ولا نفهم ما به من فروضٍ وأوامرَ ونواهٍ وقيمٍ وتعاليمَ ربانيَّةٍ ساميةٍ، أو نفهمه ونفسره بطريقة تجعلنا نضلُّ عن الصِّراطِ المُستقيمِ، وكذلك الأمر بالنسبة للأحاديث النبوية الشريفة، فنكون – لا قدر الله – من الأخسرين في الدنيا، فتضيع الدنيا والدين، ومن المحرومين في الآخرة من النعيم، نعم، نحن بلا شك نؤمنُ ونطمئنُ إلى أنَّ الله تعالى قد تكفَّل بحفظ كتابه فقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْر وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر:9)، وذلك عن طريق أن يُقيِّضَ الله رجالاً يحفظونه وينشرونه ويحافظون عليه، لكنَّ هذا لا يجعلنا ننسى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ)(الرعد:11).
إذن الحفاظُ على العربية ومفرداتها وصيانتها ضدّ أيِّ فسادٍ أو تحريفٍ؛ أمرٌ من الدِّين، فضياعُ العربيَّةِ ضياعٌ للدِّين وتعاليمه، وانحراف عن الجادَّة والدور المنوط بنا القيام به، فاللُّغةُ ظاهرةٌ اجتماعيَّةٌ تحيا وترقى باستعمالها والعناية بها وتدارسها، وتموت بسبب إهمالها واحتقارها وعدم العناية بها، وكثير من اللُّغاتِ ماتت بسببِ تَغَافُلِ أبنائها وهجرهم لها، ولا نتمنَّى للعربية هذا المصير، ولن يكون بإذن الله تعالى. ولذلك يقول الثعالبي:" مَنْ أحبَّ الله تعالى أحبَّ رسوله محمدًا صلَّى الله عليه وسلم، ومَنْ أحبَّ الرسول العربي أحبَّ العرب، ومَنْ أحبَّ العرب أحبَّ العربية التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها وثابر عليها وصرف همَّته إليها، ومَنْ هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه، اعتقد أنَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم خير الرسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة....والسؤال الآن: هل يحقُّ لي أن أقول (مفردات اللغة العربية أغلى من الكنوز الذهبية
مفردات اللغة العربية أغلى من الكنوز الذهبية
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة