في اليوم الثامن عشر من ديسمبر من كل عام تحتفل الدنيا باليوم العالمي لسيدة لغات الدنيا، اللغة العربية، لغة القرآن الكريم، دستور الله القويم، الذي رسم الله فيه طريق السعادة للعالمين في الدارين، ولقد تكفَّل الله تعالى بحفظ كتابه العزيز فقال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)(الحجر:9) ومن ثمَّ يحفظ الله تعالى لغة كتابه الكريم، بوسائل شتى، كأنَّ يحببها في نفوس كثير من خلقه، ويجريها على ألسنة المؤمنين من عباده في تلاوتهم وصلواتهم، ويعين الرجال المخلصين العاشقين لها فيدرسونها ويتعهدونها بالرعاية والتمكين والنشر والتبيين، والذود عنها ضد المتربصين والمعتدين، والعمل على نشرها في العالمين، فنجد العربية تنتشر في كل الساحات والميادين، بين أبنائها والأعداء المحدقين؛ إمَّا للفوز بمنافعها والاستفادة منها أو من باب اتقاء شرور بعض المتحدثين بها من الغلاة والمتشددين، فنجد بعض الدول الغربية ترصد الميزانيات وتنظم المؤتمرات والندوات وتوفد البعثات لتعلِّم العربية لأبنائها؛ إمَّا للوقوف على حقيقة متحدثيها أو اتقاء لشرور بعضهم، وفي كلا الحالتين تكسب العربية ميادين جديدة، تعزز انتشارها وتمكنها من القيام بدورها، وتساعد على دورانها على ألسنة المتحدثين والدارسين في شتى بقاع الدنيا.
وهذه الدنيا كلها تحتفل - في اليوم الثامن عشر من ديسمبر - بيوم اللغة العربية برعاية منظمة الأمم المتحدة، ونحن أولى بالاحتفال بمناط هويتنا، ورمز عزتنا وكرامتنا، ومبعث فخرنا واعتزازنا، فقد كرَّمها الله وشرَّفنا بأن أنزل القرآن الكريم بلسانها (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)(الشعراء:195)، ويقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(يوسف:2).
ولقد حملت هذه اللغة العظيمة أمانة تأسيس حضارة إسلامية عربية تليدة، وعملت على الحفاظ عليها ونشرها واستيعابها، بكل ما احتوته من علوم وفنون وآداب، هذه الحضارة التي استمرت ردحًا من الزمن تحمل مصباح العلم لتنير طريق التقدم والسعادة للإنسانية جمعاء؛ لأنها حضارة الرحمة والمحبة والسلام لكل العالمين، يقول تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(الأنبياء:107).
والاحتفال الحقيقي بهذه اللغة العظيمة يكون بالعمل المخلص الجاد العظيم؛ من أجل النهوض بها، وتمكينها من القيام بالدور المنوط بها، ونشرها والذود عنها، وأختم بقول الثعالبي في مقدمة كتابه (فقه اللغة):( مَنْ أحبَّ الله تعالى أحبَّ رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم، ومَنْ أحبَّ الرَّسولَ العربيَّ أحبَّ العَرَبَ، ومَنْ أحبَّ العَرَبَ أحبَّ العربيَّةَ التي بها نزلَ أفضلُ الكُتُبِ على أفضلِ العَجَمِ والعَرَبِ، ومَنْ أحبَّ العربيَّةَ عُنِيَ بها، وثابرَ عليها، وصرفَ هِمَّته إليها، ومَنْ هَدَاهُ اللهُ للإسلام وشَرَحَ صَدْرَهُ للإيمانِ، وآتاهُ حُسْنَ سريرةٍ فيه؛ اعتقدَ أنَّ محمداً صلى الله عليه وسلم خيرُ الرُّسلِ، والإسلام خير المللِ، والعرب خير الأمم، والعربية خير اللغات والألسنة، والإقبالُ على تفهمها من الدِّيانة، إذ هي أداةُ العلمِ، ومفتاحُ التَّفقُّه في الدِّين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثُمَّ هي لإحرازِ الفضائلِ، والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب..).