الغَرَق.. قرية تابعة لمركز إطسا بمحافظة الفيوم، وواحدة من أكبر قرى مصر وأعرقها تاريخيا فهى من عمر مصر نفسها وكانت توصف بأنها "هبة النيل" فهى تقع فى مكان منخفض لدرجة أن مياه فيضان النيل كانت تغرقها تمامًا ومن هنا سماها الإغريق "الغرق" ويتجاوز عدد سكانها بتوابعها ال 75 من "عزب ونجوع" حوالى 250 ألف نسمة.. ولكنهم أصبحوا خارج نطاق الخدمة ويعيشون فى حالة من العذاب والبؤس بسبب انهيار منازلهم وغرقها فى مياه الصرف والمياه الجوفية مما أدى إلى هجرة الأهالي.
وبالرغم من استغاثتهم بالقيادات الشعبية والتنفيذية إلا أن استغاثاتهم تبخرت فى الهواء ولم يسمعهم أحد كالعادة "لا حياة لمن تنادي" حتى خرجت من أجندة التطوير وأصبحت حياتهم لا تصلح للآدميين. ليس هذا فقط بل تصحرت أجود أراضيها الزراعية. وتم سرقة معظم أراضى أملاك الدولة أمام أعين جميع المسئولين.. مشاكلهم لا تعد ولا تحصى ونقرأها فى السطور القادمة كاملة على لسان أهالى القرية..
عن حجم الكارثة التى يتعايشها الأهالى يقول سيد أحمد: تعوم منازلنا على بحيرة من مياه الصرف والمجاري. وقمنا بحفر الطرنشات أمام منازلنا لعدم وجود صرف صحى بالقرية. رغم اعتماد الميزانية المقررة له منذ 8 سنوات وتنفيذه فى قبلى القرية ولكنه توقف تمامًا. مما جعل سيارات الكسح تقوم بتفريغ مياه الطرنشات فى بحر الغرق أمام المسئولين بما فيها سيارة كسح الوحدة المحلية! والذى يعتبر من ضمن الأسباب الرئيسة لتلوث مياه الرى ومرض المواشى فى القرية. علاوة على انتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة والناموس المسبب للأمراض. ونحن مستعدون بالتعاون مع الوحدة المحلية فى حل المشكلة والمساهمة بمبالغ مالية لعمل صرف مغطي؛ لأن بعض الأهالى لا يستطيعون النوم فى منازلهم بعد أن غرقت بيوتهم فى مياه الصرف.
لم ينته التلوث عند الصرف فقط، ويؤكد عاشور معوض: انتشرت أكوام القمامة ومخلفات البناء والمطبات فى جميع شوارع القرية. ورغم ذلك لم يفكر أى مسئول بزيارة أكبر قرية للمحافظة لتفقد تلال المشاكل على الطبيعة حتى ساءت جميع أحوال القرية، ويضيف قررت مديرية التموين بالفيوم فرض سياسة "جوعوا تصحوا" على الأهالى فقد رأت أن الجوع خير علاج بعد أن قررت أن نصيب الفرد الواحد من الدقيق البلدى للدعم 2 كيلو جرام فى الشهر.
ويلتقط محمد سعيد طرف الحديث ويقول: سبب تبوير الأراضى زيادة ملوحتها لتسرب مياه الصرف الزراعي بجانب استخدام البعض كميات كبيرة من مياه الرى فى استصلاح أراض جديدة بالصحراء مما أدى إلى حرمانها ونقصها فى الأراضى القديمة الواقعة فى نهايات الترع. والتى أصبحت لا تنتج. وحتى أشجار النخيل احترقت تمامًا من كثرة الجفاف والعطش، وجاء أكثر من وفد من وزارة الرى والموارد المائية بالقاهرة.. وأثبت ذلك على الطبيعة ووعدوا بتوافر حلول قريبة للمشكلة، وكذلك وعود أكثر من مدير رى بالفيوم.. ولكن للأسف هذه الوعود على الورق فقط فمازالت المشكلة قائمة، والتى وصلت إلى أن الفلاح الذى يملك عشرة أفدنة لا يزرع منها إلا نصف فدان فقط، والباقى أراض بور. ولم يكن أمام الفلاحين إلا الاستدانة من بنك التنمية الزراعى والذين عجزوا عن السداد لبوار أراضيهم وينتظرون السجن.
ومن جانبه يوضح عبد الهادى سعد: سرقت جميع أراضى الدولة بقرى ونجوع "فوز هويدى الشلبى ثابت قبلى الغرقة.. شاكر.. روما.. العوينات.. الغابى.. الشين سويكر.. أبو لماحون دانيال فراج عبد الغنى.. على عوض.. عيسى الطويل" التابعة للغرق والمخصصة لبناء مدارس ومراكز شباب ومشروعات مستقبلية وخلف وأمام المدارس الحكومية. والوحدة المحلية تكتفى بتحرير المحاضر على الورق فقط حتى ضاعت آلاف من الأفدنة من أملاك الدولة.
وفى النهاية وجه الأهالى نداء إلى المستشار وائل مكرم محافظ الفيوم لكى يتعاطف معهم ويخصص زيارة للقرية على الطبيعة لمشاهدة المأساة التى يعيشونها. وعمل حصر شامل لجميع أراضى أملاك الدولة وتكوين لجان من الأملاك والزراعة والمساحة والمحليات ورجال الأمن لاسترجاعها وإعادة تخصيصها لمشروعات تخدم القرية. مع ضرورة توافر حلول جادة ومحاسبة سارقى مياه بحر الجرجبة وتوفير مقررات الرى لإعادة الحياة إلى 50 ألف فدان. والتشديد على وجود ماكينة رفع بالكهرباء لسحب المياه من الأراضي؛ لأنها لو زرعت كما كان سابقا لتحولت الفيوم إلى أغنى محافظة مصرية بدلا من وصفها الحالى بأفقر محافظة مصرية.
الغرق.. فى بحر الإهمال
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة