تعد القراءة من أكثر الوسائل أهمية في التعلم الإنساني، حيث تزيد من كمية المعارف والثقافة العامة لدى الفرد وتفتح له العديد من الأبواب المغلقة، ويذكر أن أول مكتبة في التاريخ أنشأها الفراعنة المصريون القدماء، حيث قاموا بكتابة جملة على بابها وهي "هنا غذاء النفوس وطب العقول".
ومن الدلائل على أهمية القراءة أن أول لفظ نزل في القرآن الكريم وخاطب به جبريل عليه السلام نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هي كلمة (اقرأ)، وهذا فيه رسالة مباشرة على ضرورة القراءة ويدل على عظيم شأنها في حياتنا.
وكما قال حافظ ابراهيم: أنا من بدل بالكتب الصحابا .. لم أجد لي وافيًا إلا الكـتـابا
القراءة في الاسلام
يقول الدكتور "عبد المقصود عبد الحميد باشا"، رئيس قسم التاريخ والحضارة بجامعة الأزهر، أنه إن كانت الصلاة والصيام من أركان الإسلام، فإن القراءة تأتي في مقدمة العقيدة الإسلامية، فأول آية ذكرت في القرآن هي (إقرأ)، وليس المراد بالقراءة هو القراءة والكتابة السطحية فقط، بل المراد منها القراءة الكونية كلها، وذلك بدءًا من قوله تعالى (وعلم آدم الأسماء كلها) إلى اختراعات المخترعين مثل الفمتوثانية لأحمد زويل، وما بعده مما ينهض بالحضارة.
وإذا لاحظنا قوله -تعالى- (إقرأ باسم ربك الذي خلق)، وقوله (اقرأ وربك الأكرم**الذي علم بالقلم**علم الإنسان ما لم يعلم) نجد أن التوجيه الإلهي هنا بالقراءة في العلوم التي أنزلها الله وتطوراتها لننهض بالكون ونعمره حتى يرث الله الأرض .
فهكذا ومن خلال القراءات الكونية المتعمقة في شتى المجالات، يرتقي الإنسان بعقله وبالعلوم المختلفة حتى يأتي زمان على البشر يمتلكون فيه كل المكونات الأرضية ويقدرون على التحكم فيها، فالإنسان مثلا لم يكن ليتمكن من الخروج عن الجاذبية والانطلاق في عالم الفضاء الواسع إلا بسلطان العلم والتعمق في القراءة، وذلك المقصود من معنى الآيه الكريمة في سورة الرحمن (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان).
ويضيف "باشا" أن ما وصل إليه المسلمون في العصور الوسطى كان بسبب قراءاتهم المتعمقة، وأن امتلاكهم لزمام الدنيا كان بسبب تعدد معارفهم وإطلاعاتهم، مما جعل العالم كله ينقل عنهم العلوم والمعارف، ولكن اليوم بعدما تخلوا عن القراءة الكونية أصبحوا في حضيض المجتمعات
ويتمنى "باشا" أن تهتم الحكومات العربية والإسلامية بالأبحاث العلمية، وأن تخصص على الأقل 10% من ميزانياتها على الأبحاث والدراسات العلمية، وأن يتم احتضان النابهين وأصحاب الأفكار الراقية وتبني أفكارهم ومشروعاتهم ليصبح لدينا علماء بارزين أمثال "د. أحمد زويل" و"د.مصطفى السيد" الذي استطاع اكتشاف علاج للسرطان بجزيئات الذهب.
ففي الفترة الماضية تواجد بعض الأطفال المصريين الذين ترتفع نسبة العبقرية لديهم أكثر من 30 درجة عن معدلات العبقرية العادية، ولكن للأسف القوانين المصرية العقيمة جعلتهم يستمرون في الصف الثاني الابتدائي حتى تبنتهم القوات المسلحة، وبالتالي واجب على مجتماعتنا أن تستثمر هذه الطاقات البشرية الموجودة فيها.وفي النهاية ختم "باشا" كلامه بنصح الشباب بالقراءة باستمرار، لأن في الواقع أغلب الشباب منصرفين كليًا وجزئيًا عن القراءة، وذلك يعود لعدم اهتمامهم بالعلم والعلماء، وفي المقابل يتم تسليط الضوء على الفن والممثلين دون الاهتمام بمعرفة العلماء وابتكاراتهم وقراءة العلوم المفيدة.
دور الدولة في تشجيع القراءة
تعتبر القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها، ودائمًا ما تهتم الأمم المتيقظة بنشر العلم من خلال تشجيع القراءة، ولذلك تعمل مصر بشكل مستمر على الاهتمام بالمكتبات العامة والخاصة لزيادة الوعي والثقافة بين فئات المجتمع المختلفة.
فنجد في المدارس والحضانات أنه يتم تخصيص حصص مكتبية للطلاب لتعليمهم مهارات القراءة السليمة، ولتدريبهم على جعل القراءة عادة أساسية في حياتهم لتساعدهم على تنمية مداركهم وعقولهم، كما أن تلك الحصص المكتبية تساعد الأطفال للتعرف على تفضيلاتهم في القراءة وعلى المجالات التي يحبون التعرف عليها بشكل أكثر.
وتعتبر الأستاذة "صباح محمود أبو الوفا" صاحبة حضانة (أبو الوفا للغات)، أن القراءة هي أساس ثقافة الشعوب وتغذية العقل والروح والنفس، وأنها لا تعتقد أن يضحي أحدهم بوقته لقراءة كتاب من صفحات عديدة لمجرد التفاخر أمام الآخرين أو من مبدأ الموضة، ولكن ما رآته من خلال وظيفتها أن كل من يقتني كتابًا يهتم بالقراءة بشكل كبير ويحب الثقافة والمعرفة.
كما أن المكتبة وسيلة وليست غاية، فهى خطوة تهدف لزيادة الإقبال على الإطلاع، كما يستفيد الطلاب من المعلومات التى تحتويها المكتبة سواء للدراسة أو لإشباع الميول والهوايات أو الترويح والتسلية، ويستطيع الأطفال من خلال القراءة التعرف على العالم من حولهم، والتعرف على ذاتهم بشكل أكبر.
وتؤكد الأستاذة "صباح" أنها تعمل طوال الوقت على تطوير المكتبة الموجودة في الحضانة لأن الدين الإسلامي يحثنا على الاهتمام بالعلم وطلبه في كل وقت، ولأن القراءة هي الخطوة الأولى في التعلم ومن ثم تحقيق النهضة والتطور في المجتمعات المختلفة.
فمن لا يقرأ لا يستطيع التعرف على العوالم الجديدة التي تخلقها الكتب في خياله، وبالتالي لابد لكل إنسان أن يبحث عن أكثر مجال يحبه سواء فلسفة أو أدب أو خيال علمي أو غيرهم، ويبدأ في القراءة فيه ليتعرف على كل تفاصيله ويستطيع توسيع آفاق ثقافته.
وتضيف "أبو الوفا" أن الحصص المكتبية في الحضانة تعتبر من أهم الحصص، وأن الأطفال الصغار الذين لم يتعلموا القراءة بعد، تقوم إحدى المعلمات بقراءة الكتب والقصص لهم، وتعلمهم بدايات القراءة باستخدام الكتب الملونة والمليئة بالرسومات التي تجذب انتباهم وتحببهم في القراءة، وكل ذلك يكون بهدف ربط الطفل بالكتاب، وأن يكون الكتاب صديقه بشكل فعلي، فالقراءة هي هواية ضرورية لابد أن يمارسها كل الأفراد على اختلافهم.
وفي نفس الوقت نجد في الجامعات مكتبات مليئة بالكتب والدراسات والأبحاث العلمية المختلفة التي تثري عقول الطلاب في المجالات التي يدرسونها ويحبون الإطلاع عليها، وتقيم تلك المكتبات العديد من الندوات والمؤتمرات التي تجلب فيها أبرز الشخصيات التي يفضلها الشباب ويستمتعون بحديثهم لإلقاء المحاضرات عليهم في مختلف المجالات، ومن الحين للآخر تقيم الجامعات معارض خاصة بها لبيع واستبدال الكتب بين الطلاب لتبادل المعارف والثقافات بينهم.
وتقول الأستاذة الدكتورة أماني رفعت، مديرة المكتبة المركزية بجامعة القاهرة، أن المكتبة المركزية صرح ثقافي في رحاب جامعة القاهرة، تفتح أبوابها للمستفيدين من داخل الجامعة أو من خارجها، وأن رسالتنا هي فتح آفاق رحبة للمجتمع الجامعي نحو عالم الثقافة والمعرفة.