أكد علماء أن استقرار المجتمعات ونهضتها مرهون بوجود الأمن، لذا جعل الدين الحنيف الأمن الركيزة الأولى والأساسية في بناء المجتمع، وحرم كل فعل أو سلوك يؤدي إلى إرهاب وترويع الناس، ووضع عقوبات زاجرة وحاسمة لكل من يعتدي على أمن المجتمع وأفراده.
وأكدوا أن الأمن أحد ثمار الإيمان، ومن أجلّ نعم الله تعالى على عباده، فضلاً عن أنه أحد واجبات المسلم على أخيه، فلا يجوز له تخويفه أو ترويعه أو تهديده حتى وإن كان مداعباً، كما جعله أيضاً حقاً لغير المسلم - غير المحارب للمسلمين - ممن لهم عند المسلمين عهد وذمة.
يؤكد الشيخ رمضان عبدالمعز، إن الله أكرم عباده بنعمة الأمن والأمان العظيمة، ولابد أن يسعى الناس للحفاظ عليها موضحاً أن أول وسيلة للحفاظ على نعمة الأمن واستمرارها، هى شكر الله، فالنعم تثبت بالشكر وتذهب بالنكران، حيث يقول الله تعالى في سورة إبراهيم «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ».
ويوضح أن الوسيلة الثانية هى نعمة الدعاء، فقد كان رسول الله (ص) إِذَا رَأَى الْهِلَالَ يقول «اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وترضى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ» رواه الترمذى فقد كان النبى (ص) يدعو الله طلبا للأمن عند رؤية الهلال، بداية كل شهر هجرى.
يرى د. إسماعيل عبد الرحمن، الأستاذ بجامعة الأزهر، أن الأمن من أهم عوامل الاستقرار والقوة، فالفرد حينما يكون آمناً على نفسه وأهله وماله يتفرغ للعمل والإنتاج والابتكار ، والإسلام أدرك أهمية الأمن في تحقيق استقرار المجتمع منذ أكثر من ألف وأربعمائة عاماً، وهو ماسجلته نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية ويكفي الإشارة إلى أن القرآن اعتبره أحد ثمار الإيمان، وذلك في قول الله سبحانه وتعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)، «سورة الأنعام: الآية 82»، وفي آية أخرى وصف القرآن الكريم الأمن بأنه من أجلّ نعم الله تعالى على عباده، قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ)، «سورة العنكبوت: الآية 67»وأضاف د. إسماعيل: وجاءت أحاديث النبي لتشدد على أهمية الأمن في حياة الفرد والمجتمع، فقال صلى الله عليه وسلم: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده طعام يومه، فكأنما حيزت له الدنيا». كما اعتبر النبي صلى الله عليه وسلم الأمن أحد واجبات المسلم على أخيه، فلا يجوز له تخويفه أو ترويعه أو تهديده حتى وإن كان مداعباً لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أشار إلى أخيه بحديده، فإن الملائكة تلعنه حتى وإن كان أخاه لأبيه وأمه»، وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: «من حمل علينا السلاح فليس منا»،: «لا تروعوا المسلم، فإن روعة المسلم ظلم عظيم».
وقال: وإذا كان الإسلام الحنيف جعل الأمن حقاً لكل مسلم، فقد جعله أيضا حق لغير المسلم - غير المحارب للمسلمين - كتابياً كان أم غيره، ممن لهم عند المسلمين عهد وذمة، وقال الله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ)، «سورة التوبة: الآية 6»، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما رجل أمّن رجلاً على دمه ثم قتله، فأنا من القاتل بريء، وإن كان المقتول كافراً».
كلية الدراسات العربية والإسلامية جامعة الأزهر بالديدامون نظمت ندوة توعوية لطلابها مع انطلاق الفصل الدراسى الثانى كان عنوانها «الأمن ودوره فى استقرار المجتمعات ونهضتها».. وفى البداية أوضح عميدُ الكليةِ الدكتور حسام علم أن نعمةَ الأمنِ التى أفاءَ اللهُ بها على الإنسانيةِ ينبغى إدراكُها وتثمين دورها؛ حتى تظلَّ على وفاءٍ مع هبات اللهِ التى لا تعدّ ولا تُحصى، محذرا الطلاب من الانسياقِ وراءَ الأفكارِ المغلوطة والدعوات الهدامة التى تحاولُ زعزعةَ استقرارِ بلادنا وأمننا، تلك الصادرة من ضعافِ النفوسِ والعقولِ الذين يلوثون أفكارَ الطلابِ بتحريضهم على ما يضرهم ولا ينفعُهم ومؤكداً أن نعمةَ الأمنِ مقدمةٌ على الرزقِ؛ نظراً لعظمها وعلوِّ قدرها. وذلك لسببين: الأول أن استتبابَ الأمن سببٌ للرزقِ، والآخر أنه لا يطيبُ طعامٌ، ولا ينتفع برزق إذا فُقدَ الأمنُ.وتناول الدكتور عبدالغفار عبدالستار أستاذ الحديث وعلومه وسائلَ تحقيقِ الأمنِ والاستقرارِ، فذكر أن أهمّها ضرورةُ نشرِ الوعى وحفظِ العقولِ مما يشوشها؛ لأنه لو استقامت عقولُ الناس فكروا فيما ينفعهم، ويخدمُ وطنَهم، ويعملُ على ازدهارِه واستقرارِه؛ لذا ينبغى الرجوعُ لأهلِ العلمِ - علماء الأزهر الذين يتمنعون بالوسطية.. هذا أولاً، وثانياً: فرض عقوباتٍ رادعةٍ على المروعين والمجرمين، انطلاقاً من المقولةِ التى تقولُ: مَنْ أمِنَ العقوبة أساءَ الأدب؛ لذا فإن القصاصَ والعقوباتِ شُرِعت لإحكام الأمن واستتبابه. ثالثاً: إصلاح ذات البين بينَ طوائفِ المجتمعِ استجابةً لقوله تعالى «فاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ» حتى يكونَ الناسُ جميعاً يداً واحدةً فى مواجهةِ أعداءِ الوطنِ. هذا بالإضافة لشكرِ النعمِ، والإيمان بالله، والدعاءِ بالأمنِ والأمانِ، وتربيةِ النشءِ إسلاميّاً على حبِّ الأمنِ والسلامِ والتزام وسطية الإسلام، وترسيخ أسس التفاهم والتعايش والاستقرارِ.
يؤكد د. عمر حسن حسين وكيل كلية الدراسات العربية والإسلامية بجامعة الأزهر علي أثرِ نعمةِ الأمنِ فى نهضة المجتمع قائلا: إن استقرارَ المجتمعِ ونهضته مرهونٌ بنعمةِ الأمنِ، فإذا عمَّ الأمنُ فى البلادِ وللعبادِ أصبحَ كلُّ فردٍ منتجاً، من هنا يجبُ علينا أن نعملَ جاهدين على تحقيقِ الاستقرارِ فى أوطاننا.
ويشير إلي أن الإسلام الحنيف جاء بعوامل عدة، تهدف في مجملها إلى تحقيقه، ويأتي الإيمان بالله تعالى في مقدمة هذه العوامل، حيث إن الإيمان مصدر أمن، وأصله من الأمن ضد الخوف، وهو كما عرفه العلماء، اعتقاد بالجنان، وقول باللسان، وعمل بالأركان. ولذا فالعلاقة بين الأمن النفسى والإيمان وطيدة وراسخة، ومن هنا كان الإيمان بالله تعالى من أهم العوامل التي تكسب النفس راحة ورضا ويقينا وأمناً ليس في الآخرة فحسب، بل في الحياة الدنيا، وفي ذلك يقول ابن كثير: الذين أخلصوا العبادة لله وحده لا شريك له لا يشركون به شيئاً هم الآمنون يوم القيامة المهتدون في الدنيا والآخرة.
وأضاف: والإيمان بالله تعالى هو العامل الأهم في أمن النفس وطمأنينتها، وكذا المجتمع وعنه ومنه تتفرع بقية عوامل تحقيق الأمن للمجتمع.