حوار مع الأستاذ الدكتور أحمد عيسى.. أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة

حوارات
طبوغرافي

حوار / أحمد الجعبري

12656352_1250551488293350_1528552257_oتنسيق الثانوية العامة في مصر شر لا بد منه ولكن يجب تطويره
المعلمون المصريون ثروة قومية يجب الحفاظ عليها ومكافئتها وتنميتها مهنيا
معظم المدارس التي لدينا إما متهالكة أو غير مجهزة للعملية التعليمية
الخطر الحقيقي للتعليم هو الكتاب الخارجي والدروس الخصوصية
لا بد للامتحانات أن تتغير ونرجع بها إلى التقويم الشامل
يجب على أجهزة الإعلام أن تعي الدور الحقيقي للعملية التربوية والتعليمية، وأن تكون سندا للقائمين عليها

الأستاذ الدكتور أحمد عيسى محمد،، أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة تخرج في دار العلوم بجامعة القاهرة، والتحق بكلية التربية وأتمم بها الدراسات العليا والماجيستير والدكتوراه.
يعمل بجامعة القاهرة وجامعة عين شمس وجامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان
شارك في إعداد مناهج اللغة العربية لصفوف المرحلة الأولى والثانية من التعليم الإعدادي والثانوي في مصر والعديد من الدول العربية
من المؤلفات: استراتيجيات تعليم اللغة العربية – الثقافة العربية والمنج – قضايا معاصرة في التعليم – والعديد من المؤلفات الموجهة لتعليم الكبار ومحو الأمية

لماذا وصل التعليم في مصر إلى وضع يرفضه الجميع؟

-العوامل متعددة، بدءا من نظرتنا إلى التعليم وكيف نجعله قضية أمن قومي، والاهتمام الحقيقي من الدولة بالمعلم لأنه من يقوم بإعداد الأجيال وكل الدول التي تقدمت؛ تقدمت عن طريق التعليم.
-إذن كيف يمكننا الاهتمام بالتعليم والعود به إلى مصاف الدول المتقدمة؟
نهتم بالتعليم عن طريق طرح ميزانيات قوية للعملية التعليمية لأن النقص الكبير في التمويل المالي للمدارس والهيئات التعليمية سببا كبيرا في هذا، وخاصة أن معظم الميزانية تذهب إلى رواتب العاملين، ونحتاج إلى إنشاء أعداد مضاعفة من الفصول والمدارس حتى نستطيع مواجهة الفصول ذات الكثافات العالية، كما أن معظم المدارس التي لدينا إما متهالكة أو غير مجهزة للعملية التعليمية، أين المعامل والحواسيب الإلكترونية والساحات الخضراء والملاعب، فالبيئة التربوية في مصر غير ملائمة وكافية، وتجهيزات المدارس من الأدوات التعليمية غير كافية.
أما بالنسبة إلى المعلم هناك عدد كبير من المعلمين غير معدين الإعداد السليم، حتى أصبح التعليم الآن مهنة من لا مهنة له، يأتي خريج كلية التجارة مثلا أو الآداب وليس لديه أي محصلة تربوية عن التدريس، ويوظف في مهنة المعلم، فاختيار عدد ضخم من المعلمين غير المدربين تربويا كارثة حقيقية، وأيضا إنصافا للحق فإن مرتبات هؤلاء المعلمين غير مجزية ولا تليق بهم، ولهذا فالمعلم لا يعطي العطاء المناسب داخل المدرسة، ويضطر إلى شحن جهده وتوجيهه إلى الدروس الخصوصية أو مهنة أخرى كي تفي بمطالبه المادية، أي أن هناك مشكلة أخرى في عدم تفرغ المعلمين التفرغ الكامل للعملية التعليمية، وعدم اهتمام الدولة بتنميته مهنيا بصفة دورية.
وبالنسبة للمناهج التي لدينا تحتاج إلى تطوير وتحتاج أيضا إلى تجريب المناهج قبل تطبيقها ميدانيا بالمدارس، كما تفعل معظم الدول الكبرى، فبمجرد وضع المنهج الدراسي يتم إقراره فورا بالمدارس دون أي تجريب له اعتمادا على خبرة مؤلفي المناهج دون أية تجريب وهذه قضية كبيرة يجب الاهتمام بها إذا ما أردنا تصحيح مسار العملية التعليمية. إذن لا بد للمناهج من التطوير والتجريب والتغذية الراجعة لها، ومعالجة تقليدية المناهج وعدم ملائمتها للطفرة الرقمية والتكنولوجية حول العالم وقصرها على الكتاب المدرسي فقط
أما التقويم فهو لدينا لا يقوم إلا على الاختبارات بالورقة والقلم ويغفل كافة المهارات الأخرى من ذكاء ونشاط اجتماعي وتعليمي، ويهمل تقدير القدرات العامة والخاصة للطلبة فالكل سواء أما الورقة والقلم. إذن لا بد للامتحانات أن تتغير ونرجع بها إلى التقويم الشامل الذي يقيس كل مهارات وقدرات ومجهود الطالب على مدى الفصل الدراسي كله، ولا يقتصر فقط على الجانب التحريري. والطامة الكبرى لدينا أيضا أن الاختبارات والامتحانات لدينا لا تقيس إلا مهارة التذكر فقط ولا تركز على المستويات العليا للتفكير أو الأهداف التربوية الكاملة فهي لا تعتمد إلا على التذكر والفهم ولن ينصلح حال التعليم إلا بإعادة النظر مرة أخرى في العملية التقويمية لأن التقويم هو مدخل التطوير وما لا يمكن قياسه لا يمكن تطويره.

-كيف ترى وتقيم نظام التنسيق بالثانوية العامة؟ وهل هذا النظام ملائم لتغيرات هذا العصر المفتوح والنشط؟
نظام التنسيق المصري يعتبر شر لا بد منه، ولكن هذا لا يدعونا إلى تركه هكذا بل لا بد أيضا من تطويره بما يتناسب مع الأهداف المجتمعية وإن كان هذا النظام متميزا في عدم التمييز بين الطلبة وتمتعه بالشفافية وعدم دخول الواسطة به، ولكن لا بد من تطويره عن طريق أن تقوم كل كلية بتقديم مجوعة من الاختبارات القبلية لكل طالب يريد اللالتحاق بها، وألا يكون مستقبل الطالب مرهونا فقط على درجاته بالثانوية العامة، فمثلا كلية الآداب أو دار العلوم أو الطب يجب على كل طالب وإن حصل 100% بالثانوية العامة أن يجتاز اختبارات تمهيدية للقبول بها، وكل كلية حسب تخصصاتها، وتضاف درجات هذه الاختبارات إلى مجموع الثانوية العامة لقبوله إلى هذه الكلية، ولا بد أن تكون لدينا الجرأة الحقيقية للتطوير والإقدام على هذه المخاطرات المحسوبة، وكانت لدينا هذا العام خطوات جدية مثل إضافة 7% كاملة على الانضباط والحضور بالمدرسة الثانوية ولكن للأسف لم تكن لدينا الجرأة الكافية للإبقاء عليها.
-كيف يمكننا صناعة المدرسة المنضبطة جيدة؟
قضيتنا الأساسية لإصلاح التعليم هي بناء المدرسة الجاذبة التي لديها الأنشطة الصفية وغير الصفية وبها المنهج المطور والمعلم القدوة المؤهل والمناخ التربوي المحترم والمكتبات الثقافية الشاملة، وحينها نستطيع إجبار الطالب على الانضباط ووضع درجات تقييم له. والمدرسة ليست بيئة للتعليم فقط بل هي للتربية ففيها يتعلم الطالب أو التلميذ الانضباط والسلوكيات الاجتماعية ويكتسب هويته الثقافية وتقاليده المجتمعية ويتعلم حب الوطن والإخلاص له، فالمدرسة هي وسيلة المجتمع لدمج أفراده به وتنشئتهم النشأة الصالحة وتخريج المواطن النافع لنفسه ولمجتمع.

-ما أخطر التهديدات الحقيقية للمدرسة، والتي تعوق عملية الإصلاح التعليمي ومساره؟
أخطر ما يهدد مسار العملية التعليمية هي الكتب الخارجية والدروس الخصوصية والمراكز التعليمية لأنها تهدد دور المدرسة الحقيقي وتجعل الطالب أو التلميذ يهمل واجباته وتعلقه بالمدرسة وتعلمه الاتكالية، فالكتاب الخارجي يبسط التعليم إلى حد سيء يضر بالطالب فهي تعوده على الحفظ وتهمل كافة المهارات الأخرى عن طريق إعطائه السؤال وجوابه، والدروس الخصوصية تجعل الطالب لا يعبأ بأمر المدرسة أو الحضور أو الاستماع إلى شرح المعلم لأنه يعلم أن هناك مدرسا ينتظره في الدرس أو المركز التعليمي ليشرح له مرة أخرى في متسع من الوقت أفضل. ولهذا فنحن نحتاج إلى استراتيجية كاملة لإصلاح التعليم على أن تكون كاملة وتشمل كافة الجوانب السلبية التي ذكرناها سابقا في وقت واحد أي إصلاح الأبنية التعليمية وجودة اختيار المعلم وتاهيله، ووضع الضوابط الإدارية اللازمة للطالب، وتطوير التوجيه والإشراف المدرسي والإدارة المدرسية كل في وقت واحد. وان نأخذ قضية التعليم على محمل قوي ومهم فهي قضية أمن قومي.
-دائما هناك شكاوى كثيرة من سوق العمل موجهة خريجي المدارس الثانوية والجامعات وأنهم غير مؤهلين للعمل في الشركات أو المصانع أو الأعمال الإدارية، من المسئول وكيف يمكن حل هذه المشكلة؟
المسئول هو المنهج المدرسي التقليدي بعموم لفظه وما يشمله من عناصر، وعدم كفاياته، وفقدان الصلة بين المدرسة والمجتمع الخارجي فكل يعمل في جزر منعزلة عن الآخر، ولهذا لا بد أن تعود المؤسسات التربوية إلى نشاطها من إعداد البحوث المجتمعية والتربوية وان يشارك رجال الأعمال أنفسهم والمجتمع في وضع المناهج وتحديد متطلباتهم من التعليم، ولا بد أيضا من ربط الصلة بين الوزراة وبين كليات التربية. ويجب على الوزارة أن تكون على اتصال حقيقي بكليات التربية لتحديد مشاكلها وتوضيح متطلباتها، حتى تستطيع كليات التربية أن تقدم البحوث التي تعالج تلك المشكلات.

-من وجهة نظركم كيف يجب أن يكون الإعلام موجها لخدمة العملية التعليمية؟
يجب على أجهزة الإعلام أن تعي الدور الحقيقي للعملية التربوية والتعليمية، وأن تكون سندا للقائمين عليها وأن تنشأ وزارة التربية والتعليم قسما خاصا باالإعلام التربوي، وأن تتواصل الوزارة دائما مع الناس وأن يقف الإعلام مع القائمين على العملية التعليمية في كل خطاهم فمثلا حينما تم تعميم نظام التقويم الشامل لم يعرف الناس في الشارع أهدافه وقيمته، ولهذا قوبل بالرفض والفشل، نريد إعلاما هادفا يعي قيمة التعليم ويعمل على إصلاحه، ويكف أيضا عن سلبياته الكثيرة مثل تشجيعه للكتاب الخارجي والمراكز التعليمية وأن تكف عن السخرية من المعلمين وتردي مستواهم الاقتصادي.

هل المعلم المصري الآن مؤهل لإعداد الطفرة المرجوة في التعليم؟
هناك فئة من المعلمين المؤهلين وهناك الفئة الأخرى حتى لا نظلم قطاعا كبيرا من المعلمين المجتهدين والأكفاء المنتشرينفي أرجاء الجمهورية، ولكن القطاع الأكبر غير مؤهل، ولهذا انتبهت الوزارة أخيرا واهتمت بتطوير المعلمين مهنيا وفرض دورات تدريبية لهم لرفع مستوياتهم.. وكن يجب أن نقول المعلمون المصريون ثروة قومية يجب الحفاظ عليها ومكافئتها وتنميتها مهنيا، ولا بد من الاختيار الصحيح لمن يقوم بمهنة التعليم واختباره نفسيا وعلميا وتربويا وإعداده جيدا في كليات التربية قبل التحاقه في المسار التعليمي من الجوانب المهنية والتربوية.
التعليم الفني في مصر يمثل مشكلة حقيقية تعجز أمامها كافة الوزارات، كيف يمكننا العبور بالتعليم الفني إلى بر الأمان؟
التعليم الفني هو الثروة الحقيقية للمجتمع، وهو قاطرة التنمية الصناعية والزراعية والاقتصادية بشكل عام، والمشكلة لدينا لا يوجد لدينا هذا النمط من التعليم بصورته الصحيحة، ويكاد يقف الامر على المسميات فقط، ولهذا انظر إلى المعلمين الفنيين ستجدهم من التعليم العام، وإا أردنا الإصلاح الحقيقي لا بد من إعادة إنشائه بصورة فاعلة حيث يربط بسوق العمل ويكون المجتمع ممثلا فيه بصورة حقيقية من خلال رجال الأعمال والحرفيين وكل فئات المجتمع، وأن يتم تطوير المناهج والأدوات اللازمة من معامل وأدوات وآلات، ولن تحل هذه المشكلة إلا بالشراكة بين الحكومة ورجال الأعمال وأصحاب المصانع وأن نعيد النظر إلى تقييمه وعدم تقديم النظرة الدونية له أو لخرجيه.

كيف تقيم المدارس الخاصة وخاصة الاجنبية منها؟
التعليم الخاص والمدارس الأجنبية تمثل خطورة كبيرة جدا على لغتنا العربية وهويتنا الثقافية والمجتمعية بل وتعدى خطورتها إلى الانتماء للوطن ولهذا فالخريجين منها يشعرون بالغربة بين المجتمع ودائما ما يلجئون إلى الهجرة وعمل في البلاد التابعة لمدارسهم لأنهم أنشأوا على هويتهم وثقافتهم الأجنبية وليست الهوية العربية بقيمها وتقاليدها، ولهذا يجب على الدولة متابعة ومراقبة هذه المدارس جيدا والتأكد جيدا من عملها داخل الإطار القومي للمجتمع.

السيرة الذاتية ( أ.د أحمد محمد عيسى )
تخرجت في دار العلوم بجامعة القاهرة، والتحقت بكلية التربية وأتممت بها دراساتي العليا والماجيستير والدكتوراه.
متزوج ولي ولدان وابنة
عملت بجامعة القاهرة وجامعة عين شمس وجامعة الإمارات العربية المتحدة وجامعة السلطان قابوس بسلطنة عمان
شاركت في إعداد مناهج اللغة العربية لصفوف المرحلة الأولى والثانية من التعليم الإعدادي والثانوي في مصر والعديد من الدول العربية
من المؤلفات: استراتيجيات تعليم اللغة العربية – الثقافة العربية والمنج – قضايا معاصرة في التعليم – والعديد من المؤلفات الموجهة لتعليم الكبار ومحو الأمية..

حوار أحمد الجعبري