حوار مع الأستاذ الدكتور عبد الراضي محمد عبد المحسن. أستاذ الفلسفة الإسلامية ووكيل كلية دار العوم بجامعة القاهرة

حوارات
طبوغرافي

حوار/ أحمد الجعبري

 
فكر التنفير يؤدي للتكفير والتفجير.dsc_0022
الثورات تهدم ونحن أحوج ما نكون إلى البناء والتنمية.
في مذهب أهل السنة والجماعة لا يجوز الخروج على الحاكم وإن ظلم وإن جار.
الجماعات الإرهابية صنيعة الدول الكبرى ومنها خرجت داعش وغيرها.
من يقول إن صحيح البخاري به أحاديث ضغيفة جاهل لا علم له.
الأزمة التى نعيشها الآن هي قضية فهم دينى مغلوط يتطلب تصحيحا وتجديدا
 

انهارت الأخلاق واُهدرت القيم.. وضعف الإيمان وظهر الفساد فى البر والبحر..أين تكمن العلة وأسبابها..وما طرق العلاج الناجزة ؟

شكوى ضعف الأخلاق ليست مشكلة حديثة بل وجدت عند القدماء المصريين بالرغم أن مصر هي مهد الحضارة وفجر الضمير الأخلاقي والمصري هو أول من وضع دستورا للأخلاق في العالم وبالرغم من هذا كله فإن المصري القديم اشتكى من انصراف العديد من الناس عن الأخلاق الطيبة والآداب المعتادة وهذه هي طبيعة المجتمعات البشرية.. ولهذا نحن لا نوافق على مصطلح انهيار الاخلاق لأن انهيارها تعني انهيار المجتمع ومجتمعنا بحمد الله تعالى ثابت لم ينهر فكما قال أمير الشعراء: "إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا" وأيضا هناك سلبيات أخلاقية منها أسباب تتعلق بالتعليم وأن القيم الأخلاقية القديمة التي كانت راسخة لم تعد موجودة كما كانت بسبب الانفتاح على الآخرين بواسطة وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الحديثة والتي لا تستطيع من خلالها التفرقة بين الغث والثمين وبالتالي يطلع أبناءنا على كل ما تنتجه هذه المواقع دون التمييز بين ما يأخذون وما يتركون.

ولدينا أيضا عامل اقتصادي مهم وهو اضطرار الوالدين للعمل لتوفير الاحتياجات المالية فلا يجد الاب أو الام الفرصة والوقت لممارسة الدولار الرقابي الاخلاقي على الأبناء ولهذا هناك عوز أخلاقي وعوز تربوي وبنائي وتوجيهي.

كيف نعالج مشكلة ضعف المناهج الدراسية فيما يخص عنايتها وتركيزها على تنمية الجوانب الأخلاقية لدى أبنائنا؟

دعونا كثيرا ومرارا إلى ضرورة تقرير كتاب في الأخلاق والوطنية ويقرر على كل المراحل التعليمية لينشئها على الخلق الإسلامي والتي إن لم نستطع أن نطبقه كله فعلى الأقل نستطيع تطبيق جزء كبير منه يحفظ لهذه الأمة أخلاقها .

هل نحن فى حاجة إلى ثورة لتصحيح المفاهيم المغلوطة فى أذهان الشباب.. وإذا كانت المفاهيم تحتاج إلى تجديد فما هى الشروط الواجب توافرها فى المجدد؟

الثورات تهدم ولا تصحح وتبعثر ولا تلم الجهود ، ونحن بحاجة إلى تنوير وبناء المجتمعات والأديان لا تنتج ثمارها إلا في ظل مجتمع راسخ مستقر ولهذا في مذهب أهل السنة والجماعة لا يجوز الخروج على الحاكم وإن ظلم وإن جار لأن مظالم الخروج تسبق دوما الثمار أو المنافع التى يمكن أن ترجى منها.

هل هناك فجوة أو تفاوت بين الشباب والأجيال السابقة له اليوم أو بينه وبين المجتمع بصفة عامة ؟

هناك تفاوت وهذا من ضرورات تبادل الأجيال فلا شك أن الجيل الحالى يفكر بطريقة تختلف عن الجيل السابق وهذا أمر إيجابى والسلبية تأتى حينما نظن نحن أن هذه الفجوة سلبية لأنه من سيقود المجتمع والدولة بعد ذلك؛ ولهذا على الشباب أيضا أن يعلم أنه بدون الأصول العريقة والتراثية الموجودة له ما استطاع أن يكون هو فلا توجد نبته تخرج من دون الأصول وأن تستفيد منها فهل يستطيع النبات أن يحيا بدون تربة .

هل يعاني شباب اليوم من مشكلة الاغتراب ؟

لا بالطبع الجيل الذى نراه الآن يفكر ويريد التغيير والتطوير ولا يعانى من مشاكل الاغتراب وإن كانت هناك القليل منهم فهم فئة استثنائية وفكرة الاغتراب فكرة فلسفية شعورية لا وقت للشباب أمامه.

- هناك من ينادى بتغيير الخطاب الدينى.. ما المقصود بهذا التجديد وما أهميته؟

دعوة السيد الرئيس رئيس الجمهورية إلى تجديد الخطاب الدينى دعوة تكشف عن رؤية استراتيجية لهموم الأمة وطرق ووسائل وأدوات الخروج من المآزق الحالية التى تعيش فيها الأمة. والأزمة التى نعيشها الآن هي قضية فهم دينى مغلوط هذا الفهم الدينى المغلوط يتطلب تصحيح وتجديد أو كما نسميه في الفلسفة ( تخلية وتحلية )

تخلية نقوم بنزع هذه المفاهيم المغلوطة وبيان تفاقمها وعدم صحتها وعملية تحلية بوضع مفاهيم جديدة وأفكار مناسبة تفيد في تقدم الأمة وتجديد الخطاب الدينى أمر له أصول تراثية عندنا ( (إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها) والتجديد هنا ليس المقصود به العبث بأصول هذا الدين بل التجديد وهو إعادة فهم هذه الأصول في ضوء المستجدات والتغيرات العلمية والاجتماعية والثقافية وأمر أخر أيضا للتجديد يعنى بيان تهافت وضعف الدعوات الباطلة والمفاهيم المغلوطة المتطرفة السابقة بهذا المجدد إذن فهى أصول وضرورات اجتماعية ودينية .

- إذن مالذى يجدد في الخطاب الدينى وتدعونا الضرورة إلى البدء به ؟

الذي يجدد هو أفهامنا وأفكارنا المغلوطة غير الصحيحة وخاصة ما تخالف النصوص أو ما تخالف المعصومات الثلاث في الإسلام ( المال – الدم – العرض )

وكل ما يحرم المساس به فالمطلوب هو إعادة التفكير ووضع المنهجيات الجديدة وفق علاج المشكلات الجديدة خارج الصندوق

-صحيح الإمام البخارى دائما ما نسمع أصواتا تنادي بأنه ليس من معصومات الدين وأنه مثل أي كتاب ولا بد من تنقيحه .. وأن به أحاديث غير صحيحة بل وموضوعه .. كيف ترد على هذا؟

من يقول أن البخارى به أحاديث موضوعة جاهل بعلم الحديث لأنه أصح كتاب على وجه الأرض بعد القرآن الكريم وقد جمع وفق أدق رؤية وقواعد للجرح والتعديل في العالم وإن كان هناك أحاديث تكلم عنها محدثون فقد صححها آخرون علماء بعلم الحديث.

-ولم لا يجوز لنا أن نقول إن كتاب البخارى مثل أى كتاب له ما له وعليه ما عليه ؟ ويجب علينا أن نضعه في مرتبة لا يجوز أن يرتقى إليه الشك ؟

وهناك من يردد بأن البخارى جمع كتابه عام 200هـ وأتى إلينا من المستشرقين عام 500 هـ لم لا يجوز لليهود أن يكونوا وضعوا به إسرائليات كثيرة ؟

هذه نظريات افتراضية لا ترقى للواقع في شيء فالبخارى حينما جمع أحاديث قام المحدثون بعد ذلك والعلماء بتتبع أحاديثه حديثا حديثا مثل ( الحافظ ابن حجر ) فقد تتبع كل حديث وخرجه وعلق عليه وليس ( ابن حجر ) فقط بل هناك الكثير من القدماء ومن المحدثين مثل ما قام بهذا الصنيع مثل الإمام الألبانى قام بتتبع الأحاديث ووضع الأحاديث الضعيفة أو الموضوعة في سلسلة فهل وجدت حديثا موضوعا أو ضعيفا في كتاب البخارى .

أما لماذا لا نعامله مثل أى كتاب فهو ليس مثل أى كتاب لأنه يجمع أحاديث رسول الله وجاءنا الأمر من الله تعالى ( مَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا.إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) فأنا مأمور بطاعة مطلقة لكتاب الله ولما صح عن رسول الله وصحيح الإمام البخارى جمع كل ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم

- هناك قضايا ورثناها فى تراثنا وجعلناها ركنا أساسيا فى مناهجنا الدراسية.. ألا تحتاج إلى مراجعة لنتخلص من مسائل نشأت تحت ظروف تاريخية معينة؟

نعم لدينا قضية مثل ( الرق والعبيد ) لم تعد موجودة في أرض الواقع وتمثل إشكالية ولهذا لا يجب أن يأتى شخص أو منهج ليتحدث في هذا كما لا يجوز لنا أن نختصر الدين في قضية لباس معين أو لحية فقط أو قضية عمل المرأة وخروجها من البيت فهذا كله يحتاج إلى تجديد الفكر فالمرأة كانت تشرك الرجل في الحياة وفي الأسواق بل وفى الحروب وانظر كيف كانت تداوى وتطبب وفي مجال التعليم يأتي حديث الرسول الكريم ( خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء ) فالمرأة معلمة وطبيبة ومقاتلة فمن أين تأتى بمثل هذه القضايا الذكورية الشرقية الذي يرى الشرق فيها أن الذكر مصدر للطهر وأن المرأة مصدر الخبث والخبائث مع أن الشيطان حينما وسوس لآدم وسوس لحواء أيضا وأخرجهما معا

- هل بات من الضرورى إعادة النظر فى أنماط التفكير التى تأسست عليها بنية العقل المعاصر وهل حدث لها تغير؟

بالفعل حدث تغير فكنا في الماضى نعلم أن من ( جد وجد ومن زرع حصد ) واعتدنا على هذا أما الآن فأنت لا تنال منصبا أو مركزا بالجد فقط بل يجب أن تكون هناك أمور أخرى وخاصة وظائف القيادة فأصبح كثير ممن هم غير مؤهلين أسياد ويتصدرون بين الناس .

- بعض كتب التراث قنابل وأحزمة ناسفة.. ما تعليقكم ؟

التراث مثله مثل أى شيء ولكن وصف التراث كله بأنه قنابل ومتفجرات هذا تجنى لأن هذا التراث به ما نعتمد عليه فيما نفكر به الآن وهناك الكثير من المفكرين لا عمل لهم إلا إعادة إنتاج الماضى ولكن هناك أيضا فكر الخوارج الذي يمثل قنابل وهناك بعض هذه الكتب وهناك البعض منها يدرس .

- دور الدولة في الوقوف أمام هذه القنابل ؟

الدولة هى مجموع ما نقوم نحن به ونمثله ( أفراد ومجموعات ) ولهذا فمصطلح دولة لا يجب أن تكون هي الشماعة أمام حل كل مشكلة تقف أمامنا فالدولة ليست شخصا يمسك العصا ويوجه هنا وهناك بل هي من توجه المسئول ( الأفراد والمؤسسات ) والأشخاص هم من يقصرون فيبدو أن الدولة هي من قصرت مع أنها نبهت ووجهت ووضعت القانون ولعل أمثلة هذه الكتب هي التى تكفر الناس وتتحدث عن جاهلية المجتمع وهي كتب موجودة الآن لأن مجتمعنا به بعض الجماعات الخارجة التى تروج لمثل هذه الكتب وخاصة على الإنترنت وصفحات التواصل الاجتماعى ومن ثم تصل إلى كل مكان لأن هذه الجماعات هي صناعة دولة كبرى صنعتها وصنعت داعش وغيرها .

- إرهاب وتخريب وتدمير واضطرابات وصراعات وخلافات.. ترى هذه العمليات من منظور إسلامى .. وما روشتة العلاج من وجهة نظركم؟

المشكلة هي فكر التكفير وتكفير عموم المجتمعات والقول بالجاهلية وهذا ما ينتج عنه أشكال التفكير الموجود عندنا . وللأسف الشديد لدينا فكر التكفير الذي يأتى فكر التفجير وقبلهما فكر التنفير أى التشديد والتنطع في المفاهيم الدينية والتى تؤدى إلى النفور من الحلال قبل الحرام مثل تخطئة الناس وتجهيلهم فيما يقولون حتى في السلام وإلقاء التحية فتجد الواحد منهم يجلس ويضع " رجلا فوق رجل " وعندما تمر تلقى التحية عليه لا يقف لك خشية أن يقع في محظور القيام للناس . وقد كان الرسول الكريم يقف إجلالا وحبا لفاطمة الزهراء رضى الله عنها حينما تدخل عليه المجلس ويقبلها بين جبينها ويفرد رداءه لها لتجلس عليه. فأخذنا نحن من الجاهلية أننا نستحى أن نذكر أسماء بناتنا أمام الغرباء فنقول عندى ثلاث بنات ومحمد ومحمود مثلا . وهذا هو فكر التنفير الذي يؤدى إلى فكر التكفير ثم إلى التفجير والعلاج لا يكون إلا في الآية الكريمة ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) أي باتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله الكريم.ا

فكر الاستناية أو المراجعات الفكرية للمتطرفين – هل يجوز لنا التحلي به الآن أم أن وقته لم يحن بعد؟

يقول الشاعر :

إن الكريــم إذا تمكــن من أذى              جاءتــه أخلاق الكـــرام فأقلـع

و ترى اللئيم إذا تمكن من أذى              يطغى فلا يبقى لصلح موضعا

و لهذا فالكريم أو الصالح إذا أخطأ مرة عاد وتاب واستتاب وانصلح حاله أما اللئيم أو أهل الشر لا يتوب أبدا ولا يتراجع عما يعتقده و لو رجعنا إلى أمر الاستتابة اليوم لتمثلنا ببيت أحمد شوقى ( برز الثعلب يوما في ثياب الواعظين ) لأن هذا المستتاب خدعنا من قبل وراجعناه ولكنه تراجع لأننا لسنا أهل إيمان بالنسبة له بل نحن في " دار كفر " ولابد لنا أن نطبق القانون

-الفهم والاستنباط في الدين ؟ لمن ؟

لأهل الفقه والدارسين فلا يقبل لغير المتخصص هذا لأن الدين علم ولينظر أحدكم عمن يأخذ دينه ويجب أن يكون عالما باللغة والتفسير والعقيدة والحديث كى يقبل منه التحليل والتحريم .

-علم الكلام حرام أم حلال ؟

الذي يحرم في علم الكلام هو ما يخوض في قضايا فلسفية في تقديم العقل على النقل وكذلك الاختلافات التي تفتت الأمة أو الفكر الخارج الذي أدى إلى فكر الخوارج والفرق التى خالفت فكر السنة والجماعة ولكن غير هذا فعلم الكلام علم صحيح يدافع عن بعض القضايا داخل الدين وقضايا الاعتقاد باستخدام العقل .

كيف ترى ابن سينا والفارابي.. هل خرجا بفكرهما عن الدين أم أنهما من علامات الفكر الإسلامي الصحيح؟

ابن سينا والفارابى هذان فيلسوفان كبيران يفخر المسلمون أنهما ينتسبان إلى الإسلام وكتاب ابن سينا في الطب مازال يدرس في الغرب أما الكلام أن جاء ببعض الأفكار التى تخالف فهذا أمر طبيعى والغزالى نفسه ( حجة الإسلام ) جاء بأفكار يختلف فيها ( وكل يؤخذ منه ويرد)..