ياسر على نور
المدير التنفيذى لمؤسسة الفتح الفضائية
الكلمة الطيبة صدقة، ورُبّ كلمة تغنى عن ألف كلمة، ورُب جملة تختصر معانى حوتها بطون الكتب.. ولكن قد يكون الصمت أبلغ من الكلام، وأقوى حجة، وأكثر فائدة من الجدل والثرثرة،
ويعتبر دليلاً على الإيمان “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت” وهناك دورات تنموية فى فن الاستماع والإنصات لمن لا يستطيع أن يملك زمام نفسه والتحكم فى لسانه..
وكن على يقين أن “لسانك حصانك إن صنته صانه وإن هنته هانك”، وأنه لن يلومك أحد بسبب إنصاتك، ولن يتعرض لك بأذى.. ألا ترى أن كل إنسان مخبوء وراء لسانه؛ لذا كانوا يقولون : تكلم حتى أراك.. فالكلام بغير وعى وبينة مذموم، ويجلب غضب الناس وسخطهم فى كل الأحوال، أمّا إذا كان يمس الدِّين والفتوى، فالأمر أشدّ والعقوبة أغلظ والنبى صلى الله عليه وسلم يحذرنا من التحدث فى الدين بغير علم ودراسة فيقول: “أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار”.
وكان للعلماء تصرفات حاسمة مع هؤلاء الذين لا يحسنون الاستماع والإنصات والتعلّم، ويتكلمون دون وعى وفهم؛ فهذا الإمام أبو حنيفة يجلس بين طلابه ممدّدًا رجليه، فدخل رجل مهيب الطلعة وحضر درس العلم، فاعتدل ابو حنيفة وربّع رجليه. وواصل أبو حنيفة كلامه، فذكر أن وقت صلاة الصبح من بزوغ الفجر الصادق إلى شروق الشمس. فقال ذلك الرجل: وماذا يحدث إذا لم تطلع الشمس؟ فقال الإمام: آن لأبى حنيفة أن يمد رجليه!
أما الأزهر فكان من عادة علمائه تجاه من يتجرأ على الفتوى- وهو ليس أهلاً لها- الحكم عليه بركوب الحمار بالمقلوب وطلاء وجهه بالهباب الأسود، والسير به فى شوارع القاهرة، وأمامه رجل يقرع الجرس وينادى بأعلى صوته أن راكب الحمار قد أساء إلى العلم الشريف.
فيا ترى إذا عاد الأزهر لهذه العقوبة، فكم واحد ممن يتصدون للفتوى اليوم سيركب الحمار؟! ألا ترى أن الصمت أفضل وأكثر نفعًا لصاحبه، وهنا نستطيع أن نقول: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.
السكوت من ذهب
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة