القارئ لسنة النبى صلى الله عليه وسلم، والمتفحص لأحاديثه وتعاليمه، يستشعر حرصه الدءوب صلوات الله عليه وسلامه، على دماء المسلمين فيما بينهم، لدرجة أن عِظَمَ دم المسلم على أخيه المسلم فوق حرمة الكعبة المشرفة : عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ، فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: “ يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ ، لا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ الْمُسْلِمِينَ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِى جَوْفِ بَيْتِهِ “ . وكأن به صلى الله عليه وسلم، يتنبأ بالفتن التى سوف تتعرض لها الجماعة المسلمة على مدار التاريخ؛ ذلك أن هذه الجماعة مستهدفة من قبل أعدائها – حتى لا تبقى أبدًا متماسكة؛ ففى تماسكها وتراحمها هزيمة مؤكدة لكل قوى الشر المتربصة بها، بل والمتربصة بكل خير وفلاح فى العالم؛ فهى قوى الظلام التى لا تربح ولا تعيش إلا فى جنح الظلام.
ونأتى إلى واقعنا وبلدنا فى الوقت الراهن، فقد ابتُليت مصر الأمنة بفتنة ضروس، على إثرها سفك واستباح فى شوارعها وميادينها، والقاتل والمقتول مصريان ومسلمان، وسبب القتل تافه بسيط على كثرة الدماء، والمحرض على سفح الدماء الزكية مجهول على كثرة الاستجابة له؛ الأمر الذى ينبهنا إلى أن نتوقف وأن ندق جرس الخطر؛ منبهين إلى الحقائق التالية:
- أن القرآن الكريم لم يرصد وعيدًا أشد، ولا أعظم من وعيده لقتل المؤمن عمدًا، قال تعالى:{ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)} [ النساء].- أن القتل إذا استعر وانتشر، طال القاتل والمقتول؛ وانفرط عقد الأمن والأمان، وانتشرت الموبقات التى هى دون القتل؛ لأن القتل جعل ما دونه أيسر وأهون؛ فمع القتل وتفشيه، تتفشى موبقات أُخر من مثل : الشتم والضرب والتعدى ومهاجمة البيوت الأمنة، والسرقات والتعدى على النساء والأطفال، والجرائم الجنسية والمالية ......إلخ؛ لأن سكب الدماء جعل ما عدا ذلك هينًا ومستباحًا، ولا شك أن الخاسر فى ذلك هو المجتمع كله بكل فئاته وبكل أطيافه، ولا يحمل وزر هذا إلا الذى تولى أمر الدماء وسن الاستهانة بها.
- أن أولياء الأمور فى هذا الوقت العصيب وجب عليهم ضبط بوصلة المجتمع، والتصرف بكل حكمة وتؤدة لوقف نزيف الدم، وإقامة المصالحة العادلة بين المتخاصمين، وألا تتورط الرءوس الحاكمة فى أن تكون طرفًا فى الصراع والقتل، وألا تنحاز إلى فئة دون أخرى، واستحضار واجب ولى الأمر فى إقامة العدل، وبث روح الإخاء بين أبناء الوطن الواحد.
- ويجب على الدعاة التحرك الواعى والرشيد من أجل بث روح الإخاء والتراحم بين أبناء المجتمع المتخاصمين، والتذكير الدائم بحرمات الدين، وعلى رأسها حرمة الدماء، وأن تمكنهم الدولة من التحرك دون قيود أو عوائق، وتحول بينهم وبين رسالتهم فى توعية الشعب الغاضب والساخط ورده إلى هدوئه وسكينته.
دِماؤُكم عليكُم حَرام
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة