الانتحار.. حالات فردية تـدين المجتمع

الشارع المصري
طبوغرافي

الانتحار ظاهرة عالمية وفقًا لإحصائيات منظمة الصحة العالمية.. حيث يموت كل عام أكثر من 800 ألف شخص منتحرين ويشهد العالم حالة انتحار كل 40 ثانية، وفي مصر كنا نعتقد أننا بعيدون عن هذه الإحصائيات المرعبة مسلحين بالإسلام والروابط الأسرية.. ولكن في الثلاثة أشهر الأخيرة زادت حالات الانتحار في مصر لتنذر بالخطر خصوصا بين الشباب.. بطالة تحاصر الطموح.. فقر يقتل أحلام الحب والزواج.. متطلبات تتزايد وأبواب رزق تغلق بقسوة في وجوه الشباب.. يتكرر اليأس ويظنون أن في ترك الحياة الحل وتختلف الوسيلة وأقساها علي النفس الشنق.

محمد طالب الثانوي بالدقهلية وقف أمام القطار حتى دهسه

ومات في الحال. لتكشف التحريات، أن والد الطالب خارج مصر، وأنه حصل على الثانوية العامة هذا العام ورغب في الارتباط من فتاة، إلا أن أسرته رأت أن التفكير في الارتباط مبكرًا ويجب عليه الانتظار نظرًا للظروف المادية التي تمر بها الأسرة، فقرر الانتحار.

وهذا سمير عسر من إحدي قري الدلتا انتحر شنقا في غرفته الصغيرة قبل أن يري طفله الأول لم يقدر علي مواجهة القادم الجديد وهو لا يقدر علي الاعتناء والانفاق علي زوجته ووالديه وهو بلا عمل ثابت رغم محاولات العمل في مهن مختلفة بل والسفر إلي محافظات أخري ليجد عملا.

الانتحا4

في كل يوم يعود سمير خائر القوي يتشاجر مع زوجته التي تذكره بمطالب الحياة لينام منتظرا الكفاح في صباح جديد.. حتي جاء يوم أنهي أيامه العصيبة بنهاية حزينة عندما وجدوه معلقا علي حبل يتدلي من سقف الغرفة.

وشريف سليمان 22 سنة شاب في مقتبل العمر طالب أزهري يعرف حرمانية قتل النفس ولكن ظاهره الفقر وحرمه من الارتباط بمحبوبته.. حاول السفر إلي الخارج ولكن حتي السفر يستلزم المال.. كان الشيء الوحيد المجاني هو الموت.. شنق نفسه بحزام في غرفته.

وخبراء الاجتماع : التهميش والإحباط والظروف الصعبة السبب الأول

يؤكد د.أحمد مجدي حجازي أستاذ علم الاجتماع والعميد الأسبق لكلية الآداب جامعة القاهرة أنها حالات فردية وليست ظاهرة واسعة النطاق ولكنها زادت بشكل ينذر بالخطر.

مجدى 1

ويرجع أسبابها إلي عدة عوامل متداخلة يفصلها في أسباب أساسية تتمثل في ظروف اجتماعية لا تشجع الطموح وتجعل الشباب لا يري أملا في المستقبل فتفقد الحياة قيمتها سواء الأزمات الاقتصادية المتتالية أو السياسية بسبب الفجوة بين التصريحات والواقع وشعور البسطاء بالتهميش وعوامل أخري وسيطة هي ضعف الوازع الديني وعدم فهم صحيح الدين والتنشئة الاجتماعية الخاطئة مما يؤدي إلي اختفاء الرضا النفسي والأمل في المستقبل وأخيرا عوامل ذاتية وموضوعية تزيد الشعور بالإحباط وتفقد الشخص التوازن النفسي فتكون بمثابة الشرارة التي تلهب الوضع سواء موقف فجائي أو مواقف متراكمة تدفعه للاستهانة بالحياة وصولا لما يظنه الراحة الأبدية بالانتحار.

ويصف د.حجازي الانتحار شنقا أنه وسيلة احتجاج موجهة ضد الحياة والمجتمع وهي تجسيد لثقافة الدم المنتشرة بسبب مشاهد القتل والعنف سواء في التليفزيون أو الشارع مما يجعل الشخص يمارس العنف ضد نفسه باختيار الشنق كوسيلة لترك الحياة ويلقي بالمسئولية علي المجتمع في البحث عن العوامل التي تشكل ثقافة الانتحار سواء التوترات التي تؤدي إلي التفكير أو الأسباب التي تدفع المحاولة مع تقديم المساعدة النفسية لهؤلاء الشباب قبل الوصول لمرحلة التأزم.ومن جانبه لا ينكر

 د.محمد عبدالعزيز وكيل كلية التجارة جامعة عين شمس

عميد

دور الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسبة الفقر في زيادة معدلات الانتحار ولكنه في الوقت نفسه يؤكد أن تفاعل الظروف الاقتصادية مع النفسية هو الذي يصل بالإنسان للإقدام علي الانتحار وليست الظروف الاقتصادية وحدها.

ويلفت أن فترة ما بعد الثورة انهكت الطبقات الفقيرة خصوصا مع زيادة الأسعار وإغلاق المصانع وسحب الاستثمارات أدي إلي ارتفاع نسبة البطالة واتسعت الفجوة بين الطبقات كل هذه الأسباب إذا لم يستطع الإنسان التكيف معها يكون الاكتئاب متوقعا وبالتالي يكون الانتحار واردا.

ويستدرك د.محمد أن هناك تحسنًا نسبيًا علي المستوي الاقتصادي آملا أن يؤدي ذلك لشعور الناس بتحسن الأوضاع اجتماعيا ونفسيا.

الالتزام الديني وقاية.. والإيمان بقدر الله أقوى علاج..

يؤكد الشيخ علي أبوالحسن رئيس لجنة الفتوي الأسبق بالأزهر الشريف أن المقدمين علي الانتحار يعبرون عن ضيق شديد.. لا علاج له إلا الإيمان بقدر الله عز وجل منوها إلي أن مبالغة الإعلام في طرح المشاكل أوجدت شعورا عاما بالإحباط واليأس لاسيما لدي الشباب معتبرا أن هناك حالة من ضعف الإيمان والجهل بحقيقة العقيدة التي تلخصها الآية الكريمة “إن مع العسر يسرا” فالخالق جعل اليسر مصاحبا للعسر في كلمة مع وليس تاليا له في كلمة بعد فإذا تفاءلنا كان اليسر وإذا تشاءمنا لن نري سوي العسر. ويشدد أن الإنسان لا يملك نفسه وأن الله حرم قتل النفس سواء الغير أو الذات ويفرق بين حالتين من الانتحار.. والمنتحر كفرا بالله وعدم الاقتناع بقضائه أو اعتراضا عليه فهو كافر والمنتحر كمدا بسبب حالة نفسية لشعوره بالضيق.

على

وفي كل الحالتين يجوز الصلاة علي المنتحر ولكن نسأل المغفرة للمنتحر كمدا.. وفي الحديث الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم “من تردي من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردي فيه خالدا مخلدا فيها أبدا.. ومن تحسي سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا.. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”.

عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم “كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فحز بها يده فما رقأ الدم حتي مات قال الله تعالي: بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة” ويخلص أن الانتحار أيا كانت وسيلته كله عدم إيمان ولكن كله كفر وعقوبته عند الله.