البحث العلمي بين عجز الدولة وطموحات شبابية..

الشارع المصري
طبوغرافي

غياب إرادة التغيير.. وضعف الموازنة وسوء التخطيط أهم العوائق

البحث العلمي في مصر يعاني اليوم واقعًا مريرًا بين تجاهل حكومي وتعنت جامعي، في ظل وضع اقتصادي صعب لا يسمح للدولة أن تقدم دعما ماليا حقيقيا يليق بما يُطلب إذا أرادت مواكبة العصر الحالي وطفراته المعرفية،

وقد صرح الدكتور محمد فهمي طلبة، نقيب العلميين،

البحث 4

بأن أبرز المشكلات التى تواجه البحث العلمى فى مصر تتمثل فى ضعف موازنة البحث العلمى مقارنة بغيرها من الدول والتي لا تتخطى 2% رسميا وأن الرقم الفعلي لا يتخطى 1% هو وأن إسرائيل وضعت نسبة 4.7%، ومصر لم تنفق حتى الآن 1% فقط. وأضاف أنه يجب على الدولة توفير الموارد المالية للبحث العلمى، كى يساهم فى نمو الدولة، حيث إنه استثمار طويل الأجل وعائد منشود سيتم حصده بعد فترة. وأشار إلى أن عدد الباحثين فى مصر غير مناسب لمستوى المقاييس العالمية المعمول بها، والتى تتمثل فى أن يكون 1200 باحث لكل مليون مواطن، لافتا إلى أن فى مصر عدد الباحثين فى مصر حوالى 136 لكل مليون مواطن، وهو قليل جدا بالنسبة للمقاييس العالمية، مما يؤثر على البحث العلمى فى مصر، مؤكدا على ضرورة وجود آلية قومية لزيادة عدد الباحثين فى المراكز البحثية فى الفترة المقبلة.
غياب الإرادة السياسية للتغيير وتطوير البحث العلمي

البحث 2الابحث 5
ويذكر الأستاذ الدكتور صابر عبد المنعم – أستاذ المناهج وطرق التدريس بجامعة القاهرة - أن أزمة البحث العلمي تتلخص في عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لتطوير منظومة البحث العلمي.. وأنه بمجرد وجود هذه الرؤية ستحل الكثير من المشكلات وستزول الكثير من العقبات وخاصة ما يتعلق بالأمور المادية اللازمة للعملية البحثية.. وطالب د. صابر عبد المنعم المجتمع المصري بكل طوائفه وطبقاته بضرورة الالتفاف القومي واتحاذ هدف تطوير العملية البحثية بما يعود بالنفع الحقيقي والجيد للمجتمع على المستوى القريب والبعيد، لأنها الآن أصبحت مسألة أمن قومي حقيقي خطير.
ويضيف الدكتور شعبان عبد الجيد مدرس الأدب العربي بكلية التربية جامعة مدينة السادات: من الواضح لكل ذي عينين أن البحث العلمي في مصر يعيش أزمةً خانقة؛ فلا الدولة تخصص له ميزانيةً تناسبه، ولا المجتمع يقدر دوره وأثره في حركته ومستقبله، وثمة إحساسٌ مزعج بلا جدوى العلم . وربما يرجع ذلك إلى ما آلت إليه الأبحاث العلمية في بلادنا في الخمسين سنة الماضية ؛ حيث نجد أكثرها معادًا ومكررًا ، ومنها ما هو مسروقٌ ومنتحل  ومعظمها يظل مجرد بحثٍ نظري. لا يفيد منه الباحث ولا الجامعة ولا المجتمع ؛ وعندنا آلاف الرسائل العلمية في مجالات العلم المختلفة ؛ مكومةٌ في أضابير المكتبات  صارت بعد جهد أصحابها في إعدادها والسهر عليها  هذا إن اجتهدوا وسهروا ـ وبعد ما أنفقته الدولة في الإشراف عليها ومناقشتها مجرد حبرٍ على ورق ! ولا أرى إلا أن نعيد النظر في المنظومة التعليمية كلها ؛ فهي خرِبةٌ ومتهالكة ؛ ونضع خطة استراتيجية واضحة وجادة ؛ ونتابع تنفيذها بحزمٍ شديد ؛ ونحدد ما يحتاجه مجتمعنا وأمتنا ؛ ونجعل بحوثنا العلمية إجرائيةً وتطبيقية ؛ حتى في مجال الدراسات الإنسانية ؛ وأن ننفق عليها بسخاء؛ وأن نغير مناهجنا كلها ؛ وطرائق تدريسنا ؛ لتواكب عصراً ينفجر بالمعرفة ويأتينا في كل ساعةٍ بالغريب والمدهش!.
سوء التخطيط وتخلي المؤسسات البحثية عن الباحثين.
وبالنظر في مشكلات وواقع البحث العلمي في مصر نجد أن ثمة العديد من المشكلات التي تقف حائلا كبيرا وتعرقل مسيرته؛ ومن الاستفادة المجتمعية مثل سوء التخطيط من المسئولين عن توجيه دفة البحث العلمي وفق المتطلبات الاجتماعية وقلة الموارد المادية وخاصة أن عملية البحث الجيدة مكلفة إلى حد كبير ولا ننسى أن الباحثين النوابغ أصبحوا يهاجرون خارج مصر وفي هذا

البحث 1
 السياق تضيف الباحثة إيمان زكي بكلية التربية جامعة كفر الشيخ أن هناك الكثير من العقبات التي تواجهها كباحثة لدرجة الماجيستير وأهمها هي التكلفة
الباهظة للبحث وعدم تقديم الجامعة إلى الخدمات العينية بصورة مجانية وعدم وجود حوافز من الدولة حقيقية أو دعم مالي أو معنوي للاستمرار على طريق البحث، ولكنني متعلقة بأمل أن الله عز وجل سييسر الحال وأن الازمة التي تمر بها مصرنا الحبيبة ستزول.
وتعلق الباحثة هويدة عبد الرحمن – معلم أول لغة عربية- اخترت مجال الدراسات العليا لأنني أؤمن بأهمية البحث العلمي وضرورته في النهوض بالعملية التعليمية والتربوية والفكرية بصفة عامة إيمانا مني بدور كل مواطن على العمل على تطوير وخدمة مجتمعه.. وعن أهم العقبات التي تواجهها أجابت السيدة هويدا التوافق بين القيام بالبحث والقيام الواجبات الاجتماعية والأسرية، والصعوبات المالية لما تتكلفه هذه البحوث من أموال طائلة.. كما أن ضغوط الحياة والعمل يُصعب أمر الحصول على وقت للبحث الجاد والاستطلاع الجيد..
وتضيف الباحثة عفاف ماهر محمد السيد بجامعة كفر الشيخ أن المشكلة الحقيقية التي تستشعرها هي عدم فهم المجتمع لحقيقة العملية البحثية، وبمدى ارتباطه بالواقع وأن هدفه هو محاولة الإصلاح للمشكلات القائمة للنهوض بالوطن.. وناشدت الباحثة الدولة ضرورة الاعتناء بالبحوث التربوية لأنها ترى أن الدولة تتحيز للبحوث التكنولوجية الهندسية وتوفر لها الخدمات العينية والمعنوية وتهمل غيرها من الأبحاث النظرية.
ضعف إعداد الباحثين من قبل المؤسسات  التعليمية
يقول أيمن عبد الرحمن – باحث بكلية الدراسات العليا للتربية- بجامعة القاهرة: إن أهم المشكلات الحقيقية لهذه الظاهرة هي ضعف إعداد الباحثين من قبل هيئات التدريس المختلفة وعدم قدرتهم على بناء الشخصية النقدية والباحثة والتي تستطيع إيجاد العلاقات الحقيقية بين المتغيرات البحثية وذلك لاعتماد المعلمين بالجامعات - أعضاء هيئات التدريس - في كثير من الأحيان على الطرق التقليدية التي تتسم بالديكتاتورية التعليمية وعد إتاحة الفرصة الحقيقية والجادة للتعبير والمحاولة والبحث والخطأ والإصابة حيث ما زال يعتقد المعلمون أنهم دائما على صواب وأن الباحث مادام لم يحصل على الدكتوراه فهو تلميذ لا يجيد شيئا ويجب أن يسير وفق الطريق المرسومة له فقط. وتمني عبد الرحمن أن يرى يوما ما تطورا في كل المجالات البحثية بما يخدم الوطن ويساعده على النهوض..
وتؤكد الباحثة دينا علاء بقسم الإرشاد النفسي- بجامعة القاهرة – أنه حتى الآن هناك العديد من الباحثين الذين لا يعلمون أدوارهم جيدا ويسيرون على خطى ثابتة في التقليد الأعمي لغيرهم، بل وربما تعدى الأمر إلى سرقة أبحاث غيرهم لأنهم لا يعلمون جيدا أهمية ما يقومون به لضعف إعدادهم، حيث لم تصل لهم فلسفة عملية البحث وأبعادها الهامة على المجتمع من تحليل الظواهر وتفسيرها والتنبؤ بالقادم من المشكلات وتوفير طرق الوقاية أو علاجها إن وقعت بالفعل...
إن عملية البحث العلمي هي القاطرة الحقيقية لرفعة الوطن والمجتمع والنهوض العلمي بأبنائه. والعمل على اكتساب المعارف من أعظم الوسائل للرقي الفكري والمادي وتقديم الجديد للإنسانية بما يُساهم في تطوير المجتمعات ونشر الثقافة والوعي وتزداد أهمية البحث كلما ارتبط بالواقع أكثر فأكثر، فيدرس مشكلاته، ويقدم الحلول المناسبة لها.