العبادات الأساسية التي قام عليها الإسلام ومثلت أركانه الخمسة

الشارع المصري
طبوغرافي

عند التأمل والمقارنة بين العبادات الأساسية التي قام عليها الإسلام ومثلت الأركان من بنيانه الشاهق وصرحه المرتفع فإننا نجد أن كل عبادة من هذه الأركان الخمسة قد انفردت بميزة غير الأخرى، أما الحج فقد جمع ميزات هذه العبادات كلها وزيادة..

فإذا كانت الشهادتان (عبادة قولية) يستفتح بهما المرء رحلته مع الإسلام والإيمان والإحسان، وإذا كانت الصلاة (عبادة بدنية) تمثل محطات خمس في اليوم والليلة يقف فيها المسلم خاشعًا بين يدي ربه.. وإذا كانت الزكاة (عبادة مالية) واجبة على القادر لتحقيق التكافل بيت أبناء المجتمع المسلم وإذا كان الصوم (عبادة جسدية) ليس ليستمتع الجسد بما لذ وطاب بل لينفطم عن رغباته وشهواته.. فإن الحج عبادة تجمع كل هذه المعاني؛ فهو يشتمل علي التعبد القولي والقلبي والبدني والمالي.

وهذا هو المعني المهم الذي يغيب عن كثيرين أنه إذا كانت العبادات الأربع يغلب عليها أنها تؤدى بطابع فردي أو في جماعة محدودة مثل الصلاة فإن الحج هو عبادة الأمة كلها، ولذلك يجب أن يؤدي في زمان واحد ووقت واحد بالصورة الجماعية التي لا تعرف البشرية مثيلا لها.

لقد أراد الله سبحانه بفريضة الحج أن يجمع المسلمين من شتي بقاع الأرض على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأحوالهم وأن يكونوا جميعًا في صعيد واحد ملبّين مكبرين مسبحين متضرعين.

وهذا الجمع للمسلمين في الزمان الواحد والمكان الواحد إنما هو جمع مقصود ليذكر المسلمين بأنهم مهما تباعدت بلادهم واختلفت ألسنتهم وألوانهم فإنهم أمة واحدة وجسد واحد.

إن هذا المعنى التأكيد على وحدة الأمة هو من أهم المعاني التي يغرسها الإسلام من خلال شعائر متعددة وهو أي المعنى في شعيرة الحج أكثر وضوحًا وأشد تأكيدًا.

ولذلك فإن الذين حاولوا تحت ضغط البحث عن بدائل لحالات الزحام والاختناق التي حدثت في بعض أعوام الحج أن يجتهدوا اجتهادًا منفلتًا وقالوا بضرورة تفرقة الحج على شهور العام بحيث يخصص لكل بلد أو مجموعة بلاد شهر يحج فيه أهله تفاديًا للزحام .. هؤلاء قد غاب عنهم هذا المعني ولم يفهموا المقصد الأكبر من مقاصد الحج.

والسؤال الذي يجب أن نتلمس إجابته هو: لماذا لا يجعل المسلمون من الحج مؤتمرًا جامعًا للشعوب الإسلامية التي تأتي من كل مكان في الأرض؟
إذا كان التعارف أمرًا ندب إليه الإسلام بين الناس جميعا فهذا أدعى بنا أن نحققه في هذه العبادة الجامعة خصوصًا مع الأقليات الإسلامية.

إن حجيج بيت الله إذا انشغلوا بالذكر والتسبيح والصلاة فحسب وحصروا همهم في هذه العبادات التي من الممكن أن تؤدى في أي مكان رغم أن ثوابها في البيت الحرام أعظم فما الجديد الذي يمكن أن تضيفه شعيرة الحج إلى حياة المسلمين إلا أن يكون الحج بوتقة للتعارف ومظهرًا للتماسك وتأكيدًا للوحدة وتجليًا لقوة وفتوة هذه الأمة التي تجدد شبابها ووحدتها مرة كل عام.