“إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله،

الشارع المصري
طبوغرافي

أنا زوجة ثانية، تزوجت منذ عدة سنوات من زوج عادل والحمد لله يعدل بيني وبين زوجته الأخرى في النفقة والمبيت، ويعاملني معاملة حسنة، ويحسن إلَيَّ، وينفق على البيت وعلى أولاده، ولا يقصر في أي شيء من حقوقه وواجباته كما أني لا أقصر في شيء من حقوقي وواجباتي، ومع ذلك فأغار من زوجته الأولى بشدة، وأستطيع أن أقول: إن الغيرة دمرتني ودمرت حياتي وكل ما فيها، فلا أستطيع أن أستمتع بما وهبني الله من النعم والفضل بسبب ما أنا فيه من الغيرة من زوجته هذه، وأكاد أهلك من الغيرة على زوجي، فأسألك أن تدعو لي أن يذهب الله عني الغيرة؛ لأن حياتي أصبحت صعبة جدًّا لا يمكنني التحمل أكثر من هذا، وأريد أن أعرف، هل هذه الغيرة مشروعة أم أنني آثمة بسببها؟

روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما غرت على امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني لما كنت أسمعه يذكرها، وأمره الله أن يبشرها ببيت من قصب، وإن كان ليذبح الشاة فيهدي في خلائلها منها ما يسعهن”
وفي هذا الحديث ثبوت الغيرة، وأنه غير مستنكر وقوعها من فاضلات النساء فضلاً عمَّن دونهن، وأن عائشة كانت تغار من نساء النبي صلى الله عليه وسلم، لكن كانت تغار من خديجة أكثر، وقد بيَّنت سبب ذلك؛ وأنه لكثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم إياها.. وأصل غيرة المرأة من تخيل محبة غيرها أكثر منها، وكثرة الذكر تدل على كثرة المحبة.

وقد روى الإمام أحمد بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى عليها فأحسن الثناء. قالت: فغرت يومًا فقلت: ما أكثر ما تذكرها حمراء الشدق، لقد أبدلك الله عز وجل بها خيرًا منها. قال: “ما أبدلني الله عز وجل خيرًا منها؛ قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله عز وجل ولدها إذ حرمني أولاد النساء”.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة، وأما الغيرة التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة”
وإن من واجب كل من الزوجين أن يكون عاقلاً رزينًا، لا يجعل الشك والريبة أمام ناظريه وفي قلبه، فيعكر حياته، ويهدد كيان أسرته بالخراب؛ نتيجة الظنون والوساوس الشيطانية، وخلل في غريزة حب التملك.

وإني أنصح الزوجين -وخاصة إذا كانا متدينين حقًّا- أن يدع كل منهما للآخر مجالاً لمراقبة خالقه ومحاسبة ضميره، فلا يعكر كل منهما سعادة الأسرة بالغيرة، وخاصة إذا التزما حدود الشرع، وتجنبا مشاهدة المواقف الغرامية الجنسية المثيرة، وابتعدا عن الاختلاط بالرجال والنساء الآخرين، كما ابتعدت الزوجة عن التبرج الذي يدخل الشك والريب في نفس الزوج الواعي.