أن المذلة بين يدي ربي هي طريق قربي.
**الله سبحانه وتعالى يفرح لعودة التائبين النادمين، وما غسل أوزار المذنبين وطهر قلوب الحائرين، وربط على قلوب المؤمنين مثل الذل بين يدي الله سبحانه والتواضع لخلقه والرحمة بعباده والنظر إلى النفس بعين الإيمان، فإذا هي صغيرة أمام نعم الله السابغة وعطاياه المنهمرة .
** الله خلقنا من عدم وتولانا بالنعم، وحفظ أبداننا وأرواحنا ومع ذلك تجد بين عباد الله أصنافا من المتكبرين والمتجبرين، ولا يعلم هؤلاء أن أولهم نطفة وآخرهم جيفة، ولا يعلم هؤلاء أنهم أضعف خلق الله، لا يستطيع المتجبر من بني آدم أن يستنقذ ما استلبته منه ذبابة، ولا يستطيع أن يخفي آهات الألم وتوجعاته إذا أصابه شيء قليل من بلاء الله نسأل الله العافية .
**علام تتكبر على عبادة الله وعلى عباد الله، وعلام تغتر بنفسك وبعملك، يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك، والذي شفاك ورعاك ورزقك، الذي وجدك تائهًا في ظلمات الحياة فأنار لك الطريق، والذي وجدك غارقًا وحدك وكل الناس عنك بمعزل فنجاك وهداك وتولاك.
إن المذلة بين يدي الله عزة، وتواضعك بين يدي الله رفعة، وإقرارك بذنبك بين يدي مولاك هدى، وطلبك من مولاك العفو والغفران معرفة منك أنه لا يغفر الذنوب إلا الله ، ولا ينقذ الغرقى في بحار الدنيا إلا من يملك أمر الدنيا والآخرة سبحانه.
ولك ولنا في من سبق ممن عرف حقائق الأمور أسوة حسنة:
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «الْمُؤْمِنُ مُلْجَمٌ بِلِجَامٍ، فَلَا يَبْلُغُ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَجِدَ طَعْمَ الذُّلِّ».
وقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْعُمَرِيُّ الزَّاهِدُ، عَنْ عُمَرَ، مَوْلَى عُفْرَةَ قَالَ: «الْمُتَذَلِّلُ لِلْحَقِّ أَقْرَبُ إِلَى الْعِزِّ مِنَ الْمُعْتَزِّ بِالْبَاطِلِ مَنْ يَبْغِ عِزًّا بِغَيْرِ حَقٍّ يَجْزِهِ اللَّهُ الذُّلَّ جَزَاءً بِغَيْرِ ظُلْمٍ»
وعن عَلِيَّ بْنَ الْحَسَنِ، قَالَ: كَانَ يُقَالُ: «السُّؤْدَدُ الصَّبْرُ عَلَى الذُّلِّ»
وعن الحسن البصري قال: ((أَلَا إِنَّهُ مَنْ رغبَ فِي الدُّنْيَا وَطَالَ أَمَلُهُ فِيهَا أَعْمَى اللَّهُ قَلْبَهُ عَلَى قَدْرِ ذَلِكَ، وَمَنْ زَهِدَ فِي الدُّنْيَا وَقَصُرَ أَمَلُهُ فِيهَا أَعْطَاهُ اللَّهُ عِلْمًا بِغَيْرِ تَعَلُّمٍ، وَهُدًى بِغَيْرَ هِدَايَةٍ، أَلَا إِنَّهُ سَيَكُونُ بَعْدَكُمْ قَوْمٌ لَا يَسْتَقِيمُ لَهُمُ الْمُلْكُ إِلَّا بِالْقَتْلِ وَالتَّجَبُّرِ، وَلَا الْغِنَى إِلَّا بِالْبُخْلِ وَالْفَخْرِ، وَلَا الْمَحَبَّةُ إِلَّا بِاسْتِخْرَاجٍ فِي الدِّينِ وَاتِّبَاعِ الْهَوَى، أَلَا فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ الزَّمَنَ مِنْكُمْ فَصَبَرَ لِلْفَقْرِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْغِنَى، وَصَبَرَ لِلْبَغْضَاءِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْمَحَبَّةِ، وَصَبَرَ عَلَى الذُّلِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى الْعِزِّ، لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ إِلَّا وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى، أَعْطَاهُ اللَّهُ تَعَالَى ثَوَابَ خَمْسِينَ صِدِّيقًا» [ إحياء علوم الدين 3/204 ].قَالَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ: ((مَا يَسُرُّنِي بِنَصِيبِي مِنَ الذُّلِّ حُمْرُ النَّعَمِ قِيلَ: وَكَيْفَ ذَاكَ؟ قَالَ: أَسْمَعُ الْكَلِمَةَ فَأَكْرَهُهَا فَأَحْتَملُهَا كَرَامَةَ أَنْ أُجِيبَ فَتُعَادَ عَلَيَّ)) [الحلم لابن أبي الدنيا].
قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة : مَا لبس العَبْد ثوبا أكمل عَلَيْهِ وَلَا أحسن وَلَا أبهى من ثوب الْعُبُودِيَّة وهو ثوب المذلة الَّذِي لَا عَز له بِغَيْرِهِ.فالبس ثوبك بين يدي ربك، ولا تنس أنك عبد فقير وهو الغني، ضعيف وهو القوي، مسيء وهو الغفور الرحيم فإذ انكسرت بين يدي مولاك، ولبست رداء الفقر إليه، والتواضع بين يديه دخلت جنة العبودية، ورفعت في درجات المحبة نسأل الله العلي العظيم أن يجعلنا من عباده الذين أحبهم وغفر لهم ورحمهم وتولاهم واصطفاهم وطهرهم من الذنوب ونقى لهم القلوب.
المذلة بين يدي ربي هي طريق قربي.
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة