عاشت الأمة الإسلامية حضارة فرحت بها البشرية كلها . وبلغت العنان بقيمها وأخلاقها وسطع نجمها بين العالم بأحكامها وتشريعاتها واعترفت بها الأمم الأخرى لدورها الفاعل في تكريم الإنسان والاعتراف بحقوقه الفردية والاجتماعية
ومن المشاهد الحضارية التي يستبطنها نظام التكافل الأسري تكريس العقيدة في الواقع المجتمعي حيث ينطلق مشروع الإسلام الحضاري من العقيدة ويعتبرها عموده الفقري الذي إن أصيب إحدي فقراته بالعجز تسلل الشلل إلي الجسد كلهيقول الفيلسوف (برناردشو) كنت أعرف دائما أن الحضارة تحتاج إلي دين كما أن حياتها أو موتها يتوقفان علي ذلك فالعقيدة لها دور مهم في ضبط سلوك الإنسان فإذا انفلت يحيث لم يعد يضبطه دين ولاعقيدة فسوف يفعل مايحلو له ومن هنا قد يتحول إلي عنصر هدم وفساد فالانضباط الديني يشكل صمام أمان لا تفرط فيه أمة عاقلة
وعليه فإن التكافل الأسري هو تكريس العقيدة في الحياة الأسرية ومن ثم في المجتمع وذلك بامتثال مجموع الأحكام الشرعية الداعية إلي التضامن والتعاون والرحمة
كما أنه عمل إيماني رباني يجعل الأفراد لاينظرون إلي المسؤلية الملقاة علي عاتقهم نظرة دنيوية فقط بل يربط نظرهم بعالم الأخرة فيسارعون إلي أدائها ابتغاء وجه الله والثواب الذي وعد بع سبحانه كل من أقدم علي فعله
لقد أراد الإسلام أن تسري العقيدة والروح ا لإيمانية في جميع شعب التكافل حتي يرتبط العمل بالله إيمانا
واحتسابا ويكون وراءه ذلك الباعث الروحي المؤدي إلي دوام التضحية وقوتها ومن ثم نقول إن من أهم المشاهد الحضارية التي يكرسها الفعل التكافلي الأسري هوترسيخ العقيدة الإسلامية وسريانها في جميع أوصال المجتمع لتكون محرك الإنسان نحو العمل والمشاركةة في بناء الصرح الحضاري لهذه الأمة
المشهد الثاني من المشاهد الحضارية التي يستبطنها نظام التكافل الأسري دعم القيم الأخلاقية في المجتمع
إن المعيار الذي يمكن أن تقاس به الحضارة هو موقع الإنسان فيها وتصورها عنه وطبيعة القيم التي يلتزم ومدي احترامها لإنسانيته ومقوماتها لذلك فالتكافل الأسري هو نظام قيمي بامتياز نظام يكرس الأخلاق الرفيعة التي يجب أن تسود في المجتمع من رحمة وأخوة ومحبة ومساندة في الأوقات الحرجة والصعبة بل هونظام يهدف إلي اجتثاث الأمراض القلبية التي قد تعصف بالمجتمع كله من بخل وشح وأنانية وحب ذات والذي قد ينجم عنه سوكيات مرضية تمنع من حصول معاني الأخوة والتضامن إنه نظام يهدف إلي خلق أمن مجتمعي تسود فيه قيم رفيعة فيتضامن افراده لتأدية دورهم الحضاري
ومن الاسس التي يقوم عليها التكافل الأسري حتي تضمن استمراره أساس المودة
شدد الإسلام في بنائه الأسري علي الروح التي تجمع بين جميع أفراد الأسرة وتلف أواصرها فبناها علي المودة والمحبة واعتبرها مقصدا عظيما لإنشاء الأسر فقال تعالي (ومن ءاياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم موده ورحمة وإن في ذلك لأيات لقوم يتفكرون)الروم21 فالمودة روح تجمع بين أفراد الأسرة، وتجعل كل واحد منهم يتودد للأخر بقدر ما يقدمه له من خدمة أو إعانة أو مساندة في أوقات الرخاء أو الشدة وهي روح لا يتصور غيابها داخل الاسرة ماله إلي التكافل بجميع أنواعه سواء أكان تكافلا عاطفيا أم ماديا أم معاشيا ليحصل الدفء الأسري المنشود واللحمة الأسرية المبتغاة فيعيش أفراد الاسرة في أمن وأمان ومحبة ووئام
ومن الأسس كذلك أساس التراحم فقد حرص الإسلام علي إنشاء علاقات اسرية متينة لا يخترقها شيطان ولا يفك عقدها حاقد أو حاسد أو جبان فأسسها علي أسس التراحم واعتبره اساسا يقوم علي رقة تقتضي الإحسان للمرحوم والعطف عليه والحنو بل تقتضي إدارة المنفعة للغير وإعمار القلب بحب الخير والنفع والبذل والعطاء للاخرين وإذا كان عطف الأباء علي أبنائهم وابتغاء الخير لهم هو من باب الفطرة التي جبل الإنسان عليها فقد أمرسبحانه وتعالي الأبناء ببر الأباء وخفض الجناح لهم فقال تعالي (وقضي ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسنا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أوكلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما وأخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا)الإسراء 23-24
ومن الأسس كذلك أساس الكرامة الإنسانية
كرم الإسلام الأنسان وفضله علي باقي المخلوقات، ومن تمام التكريم الاعتراف بحقوقه الفردية والاجتماعية بل وتحقيق كرامته الإنسانية ومن هنا فلا كرامه للإنسان دون الاهتمام بحاجاته النفسية والمادية بل ودون مشاركة الجماعة له ضمان العيش الكريم وتتجلي خطورة تخلي الجماعة عن دورها التضامني وعدم الإهتمام بأمر المسلمين في تحزير رسول الله صلي الله علية وسلم أهل العرصة الذين بات فيهم امرؤ جائع فقال عليه الصلاة والسلام (أيما أهل عرصة بات قيهم امرؤ جائع فقد بائت منهم ذمة رسوله) المستدرك علي الصحيحين .الحاكم رقم2101
ومن هنا نسأل فكيف بالأهل المقربين؟ بل والأرحام الذين نشاركهم رابطة الدم ومعاني المحبة والمودة والسكن؟ لذلك كان التكافل الأسري مظهرا من مظاهر الكرامة الإنسانية وذلك لما يلقاه الإنسان من مساندة الجماعة له من الناحية العقدية والتربوية والمالية.
وخلاصة القول ان نظام التكافل الأسري نظاما حضاريا فهو يقوم علي صيانة العقيدة في المجتمع ويكرس منظومة القيم فيه بل يقوم علي خلق تنمية مجتمعية مستدامة تجعل جميع الأفراد يساهمون الصرح الحضاري لأمتهم
دراسات ومشاهد حضارية من نظام التكافل الأسري
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة