لا يوجد بلد عربى نجا من الشائعات المغرضة التى استهدفت استقراره السياسى أو الاقتصادي، ولا توجد شخصية عامة لها رصيدها من الحب والاحترام عند الناس نجت من القيل والقال، بل طالت الشائعات كثيرا من الأسر والعائلات فحولت تماسكها واستقرارها إلى خلافات ونزاعات وأحيانا جرائم، فكم من زوج قتل زوجته أو طلقها بسبب شائعة كاذبة، وكم من أب قتل ابنته أو أخ قتل أخته بسبب شائعة تنال من شرفها أطلقها مغرض، وهكذا تتعدد وتتنوع خسائر الشائعات فى بلادنا العربية لتتناول سياسات واقتصادات دول، وسمعة شرفاء من المشاهير والبسطاء، وحياة مواطنين عاديين لم ينجوا من أكاذيب وأباطيل المغرضين .
يقول الدكتور - محمد أنور محروس - استاذ الاجتماع بجامعة حلوان - إن الشائعة سلاح خطير يتميز بانعدام التكلفة ولكنه مؤثر بصورة مخيفة ولذلك فهى أحد أساليب التخريب وإشاعة الفوضى فى المجتمع ويقوم بها مجموعة من أفراده أو أفراد ينتمون إلى كيانات خارجية معادية.
وأوضح أن الهدف من الشائعات هو بث الخوف والفزع بين الناس أو إرباك المجتمع وتتداخل فيها الكثير من العوامل بعضها يرتبط بالشخص المسئول عن الشائعة حيث قد يكون دافعه الرغبة فى الظهور ومحاولة إصباغ الأهمية على ذاته ومن هنا فالشائعة هى نوع من الحيل العقلية التى يلجأ إليها الإنسان من أجل البروز وتعويض الفشل فى جذب الانتباه بالطرق الصحيحة.
وقال إن هناك جانبا آخر مهما فى ترويج الشائعة فقد يكون الدافع من ورائها الرغبة فى التخفيف النفسى ومحاولة تحقيق المشاركة فى الشعور بالقلق وجلب الأمن والاستقرار النفسى وقد يكون الدافع وراءها مجرد التسلية والاستظراف.
وأكد أن الشائعة تجد تربة خصبة فى الأوساط الأمية وقليلة الوعى والثقافة ولذلك فهناك علاقة قوية بين الشائعة والمستوى التعليمى حيث تكون هناك سهولة فى تقبل المعلومات والأخبار الناقصة واعتبارها أنها حقيقة. فهذا الوسط يتيح لمروجى الشائعات أن يبثوا ما يريدون من مغالطات وخرافات لا أساس لها من الصحة وتتعارض مع العقل والمنطق.
وعن طرق وأساليب احتواء الشائعات يقول الدكتور محمود الضبع - أستاذ التربية بجامعة قناة السويس: إن التغيرات الدولية فرضت نوعا من السيولة فى تداول المعلومات وهذا يجعل فى الواقع عملية السيطرة على الشائعات من الأمور الصعبة جدًا. كما يتوقف الأمر على أنواع الشائعة لأنها عديدة حيث يتم تصنيفها إما من حيث الانتشار على المستوى الدولى أو الداخلى أو على حسب نوعها والتى تأخذ أنماطًا كثيرة وهى تزيد فى المجتمع نتيجة الظروف والمشكلات السائدة فيه.
وألمح إلى أن الأسلوب الأمثل لمواجهتها هو نشر الحقائق وإتاحة الفرصة أمام الناس لمعرفة الابعاد الحقيقية لما يدور حولهم وترسيخ حرية تدفق المعلومات وقيم الديمقراطية وإتاحة أساليب وقنوات واضحة وحقيقية يستطيعون من خلالها معرفة ما يريدون من المعلومات.
ويرى أن المسئولية فى استمرار وجود الشائعات تقع على مؤسسات المجتمع المختلفة ولأنها بتقصيرها فى نشر الوعى وتعليم الناس تساهم فى نشر وترويج المعلومات المغلوطة التى تهدد أمن المجتمع واستقراره وتركها حتى تصبح جزءا من النمط السائد ويرتبط بوعى وقناعات الناس ورفض التغيير والإصلاح والاستجابة لصوت العقل.
وعن موقف الإسلام من الشائعات يقول الدكتور محمد أبو ليلة - أستاذ الدراسات الإسلامية باللغة الإنجليزية بجامعة الأزهر - أن الإسلام عالج هذه الظاهرة بطريقة صحيحة فقد جاء علاجه لها من الأصل حتى لا يدعها تنتشر وتسرى بحيث يتم تجفيف ينابيع هذا الفعل الشائن من الأصل وذلك على هدى ما جاءت به تعاليمه السامية من توجيهات قيمة فقد اعتبر أن من صفات المؤمنين الصدق فى القول وأنه من علامات المؤمن ومن أخلاقه وصفاته فأهل الإسلام أهل صدقاً فيما يقولون ويخبرون ويعملون صدق فى الظاهر والباطن.
وأضاف: إن الصدق خلق المؤمن الصدق يهدى إلى البر الذى يهدى إلى الجنة ولا يزال العبد يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا وإن الكذب ليهدى إلى الفجور وأن الفجور يهدى إلى النار ولا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا فالصدق خلق المؤمن دائما وأبدا فى إيمان وأقواله ومعاملته أن الأمة إذا التزمت الصدق فى القول فيما تخبر به وفيما تتحدث عنه فإن الشائعات تختفى وينتهى دورها فى مجتمعنا فالشائعات لا محل لها فى المجتمع المسلم الصادق..
فالإسلام جاء بالعدل وأرشدنا إلى العدل فى أفعالنا وحقيقة العدل فى القول أن لا نجور فما نقول ولا نظلم فيما نقول وإنما نتحدث عن حق واقع والمسلم مطالب بأن يعدل فى الأقوال والأفعال ليكون مؤمنا حقاً والحقيقة المؤكدة أن الشائعات لا عدل فيها لأنها أخبار مستقاة من غير مصادرها ومن غير أهل الصدق والثقة ولذلك هدفها الإضرار العام وليس هدفها المصلحة.
،
ترويج الشائعات فخ شيطانى..
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة