ماذا حدث للشارع المصري؟ سؤال يتبادر إلي الذهن كثيراً مع تزايد وتصاعد ظاهرة البلطجة في الشارع المصري ومع انتشار لغة حوار متدنية في الألفاظ والحركات فالغريب أن يحدث هذا في الشارع المصري الذي يميل إلي التدين لدرجة أن أحد استطلاعات الرأي الامريكية اشارت إلي ان 91% من المصريين متدنيون ويميلون إلي تطبيق احكام الشريعة الإسلامية في شتي نواحي الحياة وهو ما يطرح سؤالاً مهماً كيف يجتمع الضدان وكيف يرغب المجتمع المصري في تطبيق احكام الشريعة الإسلامية هو نفسه المجتمع الذي تنتشر في شارعه أسوأ لغة حوار؟..
.. في البداية نرصد بعض الحوارات التي تشير إلي المدي الذي وصل إليه الشارع المصري ففي مدينة نصر مثلاً وهي من المناطق الراقية فوجئت سيدة بجارتها تسمعها وصلة شتائم وسباب فقط لأن السيدة وقفت بسيارتها في مكان تعتبره الجارة ملكاً خاصاً لها وتحرر عن ذلك محضر في قسم شرطة مدينة نصر أول.
وفي المطرية وفي أحد اسواق الحي ضج الباعة الغلابة من شخص يفرض عليهم إتاوة يومية ومن يرفض فالسنجة وسكين طويل موجودة لتأديبه علي حد قول البلطجي الشهير الذي يزعم دوما أنه فوق القانون.
وفي الاسكندرية قتل نقاش أحد المقاولين بسبب خلاف علي 75 جنيهاً والغريب أن شهود العيان قالوا ان النقاش والمقاول كانا أصدقاء وأن المشاجرة بدأت بينهما بعتاب سرعان ما تحول إلي مشاجرة بالألفاظ السوقية فقتال حتي الموت.
وفي إحدي المدارس الإعدادية حاول الأب مساعدة ابنه في الغش في امتحان الدور الثاني فاصطحب شقيقه وقفزا أسوار المدرسة ودخلا علي مدير المدرسة يهددانه بسكين طويل حتي يسهل الغش باللجنة ولولا وصول الشرطة في الوقت المناسب لحدث ما لا تحمد عقباه ولكن مدير المدرسة أقسم انه سمع شتائم ما سمعها من قبل بها قبل وصول الشرطة.
المصري التقليدي
يري الدكتور عبدالغني عبود أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس أن انتشار البلطجة والألفاظ السوقية في الشارع هو نتاج طبيعي للزحام والتلوث وسوء التربية والفوضي والفساد الذي انتشر للأسف الشديد في كل قطاعات المجتمع ومن المعروف علميا أن الحوار هو كلام يدور حول أمور ولما أن العناد وصل لكل أمور حياتنا وأصبح العملة السائدة فإن الحوار فسد هو أيضاً وأصبح العنف اللفظي واليدوي هو وسيلة التفاهم الأكثر انتشاراً في الشارع المصري خاصة في ظل انهيار دور المدرسة التي كانت منبع التهذيب والتأديب ولكن دور المدرسة التربوي تراجع وانهار تماماً في السنوات الاخيرة حيث تم تدمير كليات التربية بحيث أصبح المدرس غير قادر علي تربية التلاميذ قبل تعليمهم بالإضافة إلي ظاهرة الدروس الخصوصية وهكذا وصل الفساد مؤسسة المدرسة.
أما الأسرة - يقول د. عبود - فقد انتهي دورها تماما بعد انبهار كل أفراد الأسرة بكل ما هو غربي والمصيبة أن الأبناء أصبحوا يتلاعبون بالاباء والأمهات الذين تفرغوا للبحث عن لقمة العيش غير مبالين بتربية أبنائهم وتهذيب سلوكهم.. وللأسف الشديد فإنه حتي المؤسسة الدينية لم تعد قادرة علي لعب دورها التربوي بعد أن وصل الفساد إلي الدين فأنت تفاجأ داخل المسجد بالمصلين يتراصون بالعشرات وأحيانا بالمئات للصلاة وتفاجأ بعد انتهاء الصلاة بالمصلين يتبادلون الحديث بصوت عال واحيانا يلقي احدهم بنكتة بذيئة ليرتفع صوت الضحكات الرنانة تأكيداً علي انهم نسوا ما كانوا يفعلونه قبل دقائق قليلة.
وعن كيفية عودة الانضباط للشارع المسلم يؤكد الدكتور عبود أن البداية يجب أن تعد الدولة خطة تنفذ علي المستوي الرسمي والشعبي في آن واحد من أجل القضاء علي الفساد بمختلف أنواعه ونشر ثقافة الشفافية فدون أدني شك أن إزاحة الفساد هي أولي خطوات عودة المواطن المصري كما كان في السابق لأن انتشار الفساد وتداعياته من بلطجة وخلافه أدي إلي تحول المواطن المصري من مواطن تقليدي بشوش إلي مواطن مستهلك يشعربالذل والهوان وبالتالي يمارس كل انواع المخالفات بدءاً من التلفظ بالألفاظ السوقية وصولاً إلي ممارسة البلطجة علي جيرانه واحياناً ضد افراد أسرته هو شخصياً.
المسجد
وتشير الدكتورة آمنة نصير العميد الاسبق لكلية الدراسات الإسلامية بالاسكندرية إلي أنه إذا كنا نريد أن نعيد الانضباط إلي كل شيء في حياتنا فيجب أن نعيد الإخلاص والايمان فالإخلاص لله إذا تعمق في نفوس الناس فإننا سنعيد من جديد وجود القدوة الحسنة والصالحة في نفوس أطفالنا وشبابنا وسينتشر السلوك القويم والخلق الكريم والسماحة والتواضع والقناعة وكلها صفات تستطيع في حالة انتشارها القضاء علي كل مظاهر الفساد الأخلاقي في الشارع المصري بل والشارع المسلم بشكل عام لأن انتشار الالفاظ السوقية لم يعد قاصراً علي المجتمع المصري دون غيره من المجتمعات الإسلامية.
بالإضافة إلي ذلك فإن المسجد يجب أن يستعيد دوره ويجب أن تعمل المؤسسة الدينية جاهدة علي دعم المسجد وإمداده بالدعاة المؤهلين القادرين علي اتباع أفضل فنون الاتصال بالشباب حتي نجذبهم من جديد إلي المسجد وداخل المسجد يستطيع الدعاة بث الأفكار الإيجابية واجتثاث الأفكار السلبية من أذهان الشباب المسلم الذي سيخرج من المسجد بعد أن استمع للقرآن الكريم وتهذب بخلق القرآن ووقتها ستختفي من حياتنا كل الممارسات التي نرفضها جميعًا ويرفضها حتي الذين يقومون بها ولكنهم بحكم العادة لا يستطيعون الإقلاع عنها إلا بحافز قوي وليس هناك حافز أقوي من الدين ليلعب هذا الدور.
ويجب أن نتذكر ونحن نواجه هذه الظواهر غير الأخلاقية انها نوع من أنواع الفساد وانتشار الفساد جاء بسبب الناس أنفسهم فالله تعالي يقول في كتابه الحكيم: "ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت ايدي الناس" الروم.
ولكن علي الجانب الآخر فإن الشعب المصري ورغم كل المغريات والمفسدات التي تجذبه لديه رواسب إيجابية وأخلاقية في قلبه وعقله ووجدانه ولكنها تنتظر الوسيلة التي تستطيع استعادتها حتي توقظ في داخله كل معاني الخير ونوازعه.
علاج لتدني لغة الحوار و البلطجة
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة