إن إثارة الشبهات حول الرسول صلى الله عله وسلم مسألة قديمة متجددة بل هى قديمة قدم رسالة الإسلام. .. ويدعى الكثير من المستشرقين أن أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم وسيرته بقيت مائتى سنة غير مكتوب قبل أن يفكر المسلمون فى جمعها وقد ردد عدد من المستشرقين هذه الشبهة منهم جولد زيهر وشبرنجر . ودوزى حيث زعموا أن الشروع فى التدوين وقع فى القرن الهجرى الثانى . وأن السنة انتقلت بطريق المشافهة فقط . أما " دوزى " فهو ينكر نسبة هذه " التركة المجهولة " - بزعمه - من الأحاديث إلى الرسول صلى الله عليه و سلم .
يقول الدكتور الأحمدى أبو النور عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر أن تدوين الحديث قد بدأ منذ العهد الأول فى عصر النبى صلى الله عليه وسلم . وشمل قسماً كبيراً من الحديث. وما يجده المطالع للكتب المؤلفة فى رواة الحديث من نصوص تاريخية مبثوثة فى تراجم هؤلاء الرواة . تثبت كتابتهم للحديث بصورة واسعة جداً .
تدل على انتشار التدوين وكثرته البالغة كذلك فإن البحث عن الإسناد لم ينتظر مائتى سنة كما وقع فى كلام الزاعم . بل فتش الصحابة عن الإسناد منذ العهد الأول حين وقعت الفتنة سنة 35 هجرية لصيانة الحديث من الدس . وضرب المسلمون للعالم المثل الفريد فى التفتيش عن الأسانيد .
حيث رحلوا إلى شتى الآفاق بحثاً عنها واختباراً لرواة الحديث ووضعوا شروط اشترطوها فى الراوى تضمن فيه غاية الصدق والعدالة والأمانة .مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسئولية وقوة الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معًا . مما يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه وهذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول أو الرد فقط . بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده ومتونه.
وبعد تولى عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه خلافة المسلمين نظر إلى الأحوال والظروف التى تمر بها الأمة . فرأى أن عليه البدء بكتابة الحديث وتدوينه حفظا له من الضياع والتحريف فكتب إلى عُمَّاله وولاته يأمرهم بذلك . حيث أرسل إلى أبى بكر ابن حزم عامله وقاضيه على المدينة قائلاً له : " انظر ما كان من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبه . فإنى خفت دروس العلم وذهاب العلماء " .
وطلب منه أن يكتب ما عند عَمْرة بنت عبد الرحمن الأنصارية . والقاسم بن محمد بن أبى بكر . وكتب إلى علماء المسلمين فى الأمصار المختلفة " انظروا إلى حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاجمعوه " . وكان ممن كتب إليهم الإمام محمد بن مسلم بن شهاب الزهرى أحد الأئمة الأعلام . وعالم أهل الحجاز والشام المتوفى سنة "124ه" . حيث استجاب لطلب عمر بن عبد العزيز فجمع حديث أهل المدينة وقدمه له .
فبعث عمر إلى كل أرض دفتراً من دفاتره . وكانت هذه هى المحاولة الأولى لجمع الحديث وتدوينه بشمول واستقصاء . وكان تدوين الإمام الزهرى للسنة عبارة عن جمع ما سمعه من أحاديث الصحابة من غير تبويب على أبواب العلم . وربما كان مختلطًا بأقوال الصحابة وفتاوى التابعين .
وهذا ما تقتضيه طبيعة البداءة فى كل أمر جديد . وبذلك مهد الإمام الزهرى الطريق لمن أعقبه من العلماء والمصنفين . ووضع حجر الأساس فى تدوين السنة فى كتب خاصة .
الطعن فى السنة زعم خبيث لإثارة الشبهات
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة