أما المحاولة الثانية فكانت أيضا فى عهد الحاكم بأمر الله العبيدى إذ أرسل من يسكن دارا بجوار الحرم النبوى ليحفروا نفقا إلى القبر، حتى اكتشف أهل المدينة النابش وقتلوه، أما المحاولة الثالثة فكانت مخططا من ملوك النصارى نفذت خطته بواسطة اثنين من النصارى، فحمى الله جسد نبيه صلى الله عليه وسلم إذ تقول الروايات أن القائد نور الدين زنكى رأى النبى صلى الله عليه وسلم فى منامه وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول أنقذنى منهما، ففزع القائد من منامه، وجمع القضاة وأشاروا عليه بالتوجه للمدينة المنورة، ووصل إليها حاملا الأموال إلى أهلها وأعطاهم الهدايا ولم ير الرجلين وعندما سأل: هل بقى أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة قالوا لا، فقال: تفكروا وتأملوا، فقالوا لم يبق إلا رجلان وهما غنيان يكثران من الصدقة، فأمر بهما، فرآهما نفس الرجلين فى منامه فسأل عن منزلهما وذهب إليه ولم يجد سوى أموالا وكتبا فى الرقائق، وحينما رفع الحصير وجد نفقا موصلا إلى الحجرة الشريفة، فارتاعت الناس وبعد ضربهما اعترفا بمخطط ملوك النصارى، فقتلا عند الحجرة، وبعد هذه الحادثة أمر نور الدين زنكى ببناء سور رصاصى متين يصل إلى منابع المياه حول القبر لئلا يلجأ أحد لهذا الأسلوب.
والمحاولة الرابعة كانت بسبب أن بعض من النصارى نهبوا قوافل الحجيج، وعزموا على نبش القبر فركبوا البحر واتجهوا للمدينة، فجاءتهم مراكب من مصر والإسكندرية تبعوهم وأسروهم.
أما المحاولة الخامسة والأخيرة فكان النية منها نبش قبرى أبى بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما، فى منتصف القرن السابع من الهجرة، ووصل المدينة أربعون رجلا لنبشهما ولم يتم ما أرادوه.
ويقول الباحث فى تاريخ المدينة المنورة الدكتور عواده الفايدي، إن النبى صلى الله عليه وسلم بعدما انتقل إلى الرفيق الأعلى كان فى حجرة عائشة، إذ استأذن من أمهات المؤمنين أن يمرض فى حجرتها رضى الله عنها. ولما توفى النبى صلى الله عليه وسلم دفن فى الحجرة وظلت عائشة رضى الله عنها تقيم فى الجزء الشمالى منها، ليس بينها وبين القبر ساتر، فلما توفى الصديق رضى الله عنه عام 13 هجرية، دفن مع النبى صلى الله عليه وسلم، وكان دفنه بوصيته وموافقة عائشة، فدفن خلف النبى صلى الله عليه وسلم بذراع ورأسه مقابل كتفيه الشريفين، ولم تضع عائشة رضى الله عنها بينها وبين القبرين ساترا، وقالت: إنما هو زوجى وأبي، وبعد أن توفى عمر بن الخطاب رضى الله عنه عام 24 هجرية، دفن مع صاحبيه بعد أن أرسل للسيدة عائشة رضى الله عنها يستأذنها بالدفن بجانب صاحبيه، فأرسلت إليه قائلة: «كنت أريده وتعنى المكان لنفسي، ولأوثرنه اليوم على نفسي»، فدفن خلف الصديق بذراع، ورأسه يقابل كتفيه، وبعد دفنه جعلت عائشة رضى الله عنها ساترا بينها وبين القبور الشريفة، لأن عمر ليس بمحرم لها فاحترمت ذلك حتى بعد وفاة الرسول صلوات الله عليه ورضى الله عنهم جميعا.
وذكر الفايدي، أن الحجرة النبوية مر بناؤها بمراحل فكانت فى عهد النبى صلوات الله عليه مبنية باللبن وجريد النخيل على مساحة صغيرة بجوار المسجد، ولم تكن ملتصقة بالمسجد النبوى فقد كان عليه الصلاة والسلام يترجل منها إلى المسجد للصلاة إلا أنها اليوم ملاصقة للمسجد، بعدما مرت بالعديد من الإصلاحات والترميمات حيث أبدل الجريد عمر بن الخطاب رضى الله عنه وبنى حائطا قصيرا فكان أول من بنى عليه جدارا عام 17هـ. وبنت السيدة عائشة رضى الله عنها بينها وبين القبور جدارا، فقسمت حجرتها إلى قسمين، وأعاد عمر بن عبدالعزيز بناء الحجرة الشريفة بأحجار سوداء بنفس المساحة التى بنى بها بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بنى حول الحجرة الشريفة جدارا ذا خمسة أضلاع حتى لا تشبه الكعبة فى بنائها، فكان ذلك سبب التصاق الحجرة النبوية بالمسجد.
كما جدد جدار الحجرة فى عهد السلطان قايتباي، وحفر الملك العادل نور الدين خندقا حول الحجرة الشريفة، وصب فيه الرصاص للحيلولة بين الجسد ومن يريد الوصول إليه، فيما أقام الظاهر بيبرس عام 668هـ، مقصورة خشبية ذات حواجز لها ثلاثة أبواب. ثم زاد الملك العادل زين الدين كتبغا عام 694هـ، على حاجز المقصورة حتى أوصله إلى سقف المسجد، بينما أقام السلطان محمد بن قلاوون الصالحى عام 678هـ، قبة فوق الحجرة صفحت بألواح من الرصاص. وجدد القبة الناصر حسن بن محمد بن قلاوون عام 881هـ، بعد أن تأثرت من الحريق الذى وقع فى المسجد عام 886هـ، وجدد بناء القبة فى عهد السلطان قايتباى عام 887هـ، ووضعت لها دعائم قوية فى أرض المسجد، كما أعاد السلطان قايتباى عام 892هـ، بناء القبة مرة أخرى بالجبس الأبيض بعد أن تشقق أعلاها. وفى عهد السلطان محمود بن عبد الحميد أعيد بناء القبة لآخر مرة فى عام 1233هـ، عندما تشققت القبة فى عهده، فأمر بهدم أعلاها وإعادة بنائه من جديد.
وأشار الفايدي، إلى أن الحجرة الشريفة محلاة بالآيات والأقراط وبعِقد اللؤلؤ والثريات وحولها جدار ذو خمسة أضلاع أقيم مرتكزا على أربعة أعمدة وعلى هذه الأعمدة شيدت قبة مربعة من أسفلها مثمنة من أعلاها ومصفحة بألواح من الرصاص كانت تعرف بالقبة الفيحاء ثم طليت باللون الأخضر فصارت تعرف بالقبة الخضراء.
أما الروضة الشريفة فهى روضة من رياض الجنة توجد ما بين البيت والمنبر ومساحتها الطاهرة حوالى 53 ذراعا (اثنان وعشرون مترا ونصف المتر) وعرضها 15 مترا وهى محددة بسجاد أخضر يختلف لونه عن باقى لون سجاد الحرم النبوى الشريف. وقد قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مابين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنة).
الحجرة النبوية .. بيت أفضل البشر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة