النبي أزهد الناس.رفض جبال الذهب وخزائن الأرض

الشارع المصري
طبوغرافي

كان نبينا (صلى الله عليه وسلم) أزهد الناس في الدنيا، وأقلهم رغبة فيها، مكتفياً منها بالبلاغ، راضياً بحياة الشظف، وهو أكرم الخلق على الله. وقد ذكر الإمام ابن كثير، أنه قيل للنبي (صلى الله عليه وسلم)، إن شئت أن نعطيك خزائن الأرض ومفاتيحها ما لم نعطه نبياً قبلك، ولا نعطي أحداً من بعدك، ولا ينقص ذلك مما لك عند الله، فقال: «اجمعوها لي في الآخرة، فأنزل الله عز وجل: (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذَلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً)، «سورة الفرقان: الآية 10»، وخُيِّر صلى الله عليه وسلم بين أن يكون ملِكاً نبياً أو عبداً رسولاً، فاختار أن يكون عبداً رسولاً.

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم: «اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً»، ودخل عليه عمر رضي الله عنه يوماً، فإذا هو مضطجع على رمال وحصير ليس بينه وبينه فراش، وقد أثّر في جنبه، قال عمر فرفعت بصري في بيته، فوالله ما رأيت فيه شيئاً يرد البصر، فقلت ادع الله فليوسع على أمتك، فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله، فقال: «أوَفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عُجِّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا».

وكان يقول: «ما لي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها»، وكان فراشه (صلى الله عليه وسلم) من الجلد وحشوه من الليف، ودخلت امرأة أنصارية بيته (صلى الله عليه وسلم)، فرأت فراشه مثنية، فانطلقت، فبعثت بفراش فيه صوف، فلما رآه قال: «رُدِّيه يا عائشة، فوالله لو شئتُ لأجرى الله عليّ جبال الذهب والفضة»، وأبصر (صلى الله عليه وسلم) جبل أُحد فقال لأصحابه: «ما أحب أنه تَحوَّل لي ذهباً، يمكث عندي منه دينار فوق ثلاث، إلا ديناراً أرصدُه لدَين».

وأما طعامه فقد كان يمر عليه الهلال ثم الهلال ثم الهلال، ثلاثة أهلة، وما توقد في بيوت رسول الله نار، وإنما هما الأسودان التمر والماء، وربما ظل يومه يلتوي من شدة الجوع وما يجد من الدَّقل «رديء التمر» ما يملأ به بطنه، ولم يترك صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً ولا ديناراً ولا عبداً ولا أمة، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي مقابل شيء من الشعير.

كان النبي يؤثِر حياة الزهد، ويدعو الله: «اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين يوم القيامة».