أزمة تسريبات الثانوية العامة تقتل طموح الشباب

الشارع المصري
طبوغرافي

انتهت امتحانات الثانوية العامة بما أحدثته من قلق وتوتر كبير في الشارع المصري نتيجة تسريبات أسئلة الامتحانات وتسريب الأجوبة قبل دخول الطلبة لجانهم وأثناء آدائهم امتحاناتهم. قد تكون الضغوط النفسية والعصبية خفت بعض الشيء عند أولياء الأمور والأسر والتي يتخطى عددها أكثر 560 ألف أسرة، بعد المعاناة الشديدة المالية والمعنوية طوال العام

ولكن لا شك أن هذه التسريبات أدت إلى شرخ كبير لدى الطلبة في ثقتهم في تحقيق العدل بالنسبة إليهم فمن يذاكر طوال العام ليحصل على مجموع عال يؤهله للالتحاق بإحدى كليات القمة يتساوى مع من تتسرب إليه نماذج الأسئلة قبيل الامتحان ومعها نماذج الإجابة النموذجية الجاهزة ليحقق بها الدرجات النهائية.

وما أصعب من أن يؤدي طالب امتحان في مادة ويجيد فيها ثم يفاجئ بإلغاء هذا الامتحان ويطالب بإعادته كما حدث مع مادة الديناميكا لهذا العام.

ولهذا قامت احتجاجات شديدة تسودها حالة نقم على وزارة التربية والتعليم وتصاحبها موجة غضب عارمة في جميع المحافظات طالب من خلالها طلبة الثانوية العامة إقالة الهلالي الشربيني وزير التربية والتعليم.

تقول سعاد محمد نور طالبة بالمرحلة الثانوية بمدينة السادس من أكتوبر، ماحدث هو مصيبة حقيقية دمرت مستقبلنا وكسرتنا وقتلت طموحنا بداخلنا فبعدما كنا نجتهد لتحصيل الدرجات والتفوق ودخول كلية الطب أو الصيدلة وجدنا أن الكل متساو فمن يذاكر ويتعب طول العام كمن يدخل الامتحان ولا يعلم شيئا فالكل يتسرب إليه نماذج الامتحانات بأجوبتها ويحصل على ما يريد.. ولهذا أوجه رسالتي لوزير التربية والتعليم وأقول له ( حسبي الله ونعم الوكيل )
بينما يقول أحمد محمد عطية طالب بالمرحلة الثانوية بالجيزة أسوأ ماحدث هو إلغاء مادة امتحن فيها الطالب وانتهى منها بما حملته من ضغوط وتوتر وقلق ومراجعات ثم تأتي علينا الوزارة التي لا نرى منها شيئا غير الفشل في كل شيء ليلغي الامتحان ويطالبنا بإعادته..

ويضيف أحمد أن أمر التسريبات ليس جديدا على المجتمع المصري بل يتم من عشرات السنين ونحن نعلم هذا ونعرفه ولكن كان الأمر سرية وهادئة أو خاصا على فئات معروفة ولكن عالم الإنترنت والاتصال الرقمي هو ما فضح الأمر وأدى إلى انتشاره..

ولكن لا يجب أن ندفع نحن الثمن بإعادة الامتحان بل من يتحمل المسئولية ومطالب بإيجاد حلول هذ الوزارة الفاشلة في حماية الطلبة والعملية التعليمية في مصر
من جهته يؤكد الأستاذ الدكتور صابر عبد المنعم أستاذ المناهج وطرق تدريس اللغة العربية بجامعة القاهرة أن المسئولية مشتركة بين مؤسسات الدولة وليست وزارة التربية والتعليم وحدها وإن كانت تحمل العبء الأكبر والمسئولية العظمى موجها أن الحل الجذري لهذه المشكلة هي تبني استراتيجية تطوير شاملة للتعليم في مصر وخاصة التعليم الثانوي لا يعتمد فقط في تقييم الطلبة على امتحان نهائي يستوي فيه الجميع بل يعتمد على اختبارات تقييمية متعددة أولية ومرحلية ونهائية وتعتمد على اختبار القدرات والمهارات وتقيم القدرات الخاصة بكل طالب ولا يقتصر الأمر هنا فقط بل عند التحاقه بالجامعة والكلية التي يريدها بحيث يكون بها اختبارات قبول خاصة بالتخصص الذي يريده. وهذا كله يكون ضمن إطار من تحديث العملية التعليمية بكافة عناصرها من معلم ومنهج وإدارة ووزارة.

ويضيف الأستاذ الدكتور أحمد عيسى أستاذ المناهج بجامعة القاهرة أن المشكلة هي مشكلة أخلاقية بالمجتمع كله لأن المجتمعات الناضجة أخلاقيا ولديها من الوعي الثقافي والحضاري ترفض أي شيء يقوم على الغش أو الظلم ولهذا فالمشكلة مشكلة مجتمعية من الطراز الأول أولها من البيت الذي لا ينشئ أبناءه على رفض ثقافة الغش مرورا بمن يقوم بهذه التسريبات ويرضى لنفسه أن يحمل هذا الظلم لكل جيل الشباب ويشاركه أيضا كل من يتهاون في هذا ولا يضرب على يد فاعله سواء أكان تقصيرا أمنيا أو قانونيا أو مجتمعيا.

وتتفق الدكتورة سناء عبد الجيد، أستاذ الصحة النفسية مع الدكتور عيسى مضيفة أنها أزمة أخلاقية حقيقية أظهرت عورات كبيرة في المجتمع المصري وأن الأمر ليس قاصرا علينا فقط بل تشاركنا فيه مجتمعات عربية شقيقة مثل الجزائر وليبيا وتونس موضحة أن آثار هذا الأمر في قمة الخطورة لأنه يحول طاقة أجيال من الشباب من الطاقة الإيجابية الفاعلة إلى طاقات سلبية محطمة كالقنبلة الموقوتة لا ترى سوى ظلم شديد حطم مستقبلها وسلب حقها في حياة كريمة إلى أناس آخرين بطرق غير شرعية ولهذا لا نعجب إذا ما رأينا أبناءنا يحاولون الانتحار أو تصيبهم اللامبالاة أو لا يفكرون في بناء أوطانهم ورفعته بل كل ما يحلمون به هو الخروج منه نتيجة الظلم الواقع عليهم..

وتوجه الدكتور سناء صوتها إلى السيد وزير التربية والتعليم بقولها ( تحمل مسوليتك أمام الله تعالى وأمام الشعب وأمام ضميرك واحفظ لنا حق أولادنا ولا تساو بينهم وبين الغشاشين )
بينما يضيف الشيخ جمال توفيق من علماء الأزهر الشريف أن ماحدث وشهدته مصر من تسريبات لامتحانات الثانوية العامة هي كبيرة عظيمة أمام الله تعالى يتحمل وزرها كل من شارك فيها إما بفعل أم تقصير لأن ديننا الحنيف يقوم على العدل ولا يعرف الظلم ويقوم على الحق والبيان ولا يعرف الغش والخداع وأن الأمر لا يقتصر على من خان الأمانة وقام بتسريب هذه الامتحانات وتحمل في عنقه إتلاف وإزهاق مجهود عشرات الآلآف من الطلبة المجتهدة وسرق جهدهم وأعطاه لفئة ضعيقة القلب والإيمان ارتضت لنفسها الغش. ويصرح فضيلته بأن كل طالب رأى هذه التسريبات وعلم بها عن طواعية قبل دخوله الامتحانات وسعى في الحصول عليها ويعلم ما بها من ضياع حق لغيره من الطلبة ارتكب ذنبا يجب عليه التوبة أمام الله تعالى لانه أخذ حقا ودرجة ليست ملكا له وظلم آخر أحق بها