من المشهور أنَّ النحو هو أبو العلوم اللغوية العربية وأهمها وأشهرها، وهو وضع على يد أبي الأسود الدؤلي بطلب من الإمام علي كرم الله وجهه، هذا العلم ومعه كل العلوم العربية هدفها السامي الرئيس هو الحفاظ على القرآن الكريم من اللحن والتحريف، ونطقه على النحو السليم لمعرفة ما به من أوامر وتعاليم إليهة سامية، من شأن الأخذ بها وتنفيذها والالتزام بها نيل السعادة في الدارين والفوز برضاء ربنا تبارك وتعالى.
ولذا أوجب جمهور العلماء على من يتصدَّى لتفسير القرآن الكريم أو الاشتغال بعلومه أو بعلوم الحديث اشترطوا فيه أن يكون على دراية بقواعد علم النحو ومسائله، فهناك كثير من الآيات التي ظاهرها قد يؤدي إلى فهم فاسد دون معرفة قواعد علم النحو، فمثلاً قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)[فاطر:28] بوضع فتحة آخر لفظ الجلالة (الله) لأنها مفعول به وهو الذي يخشاه (العلماءُ) بوضع ضمة آخر الكلمة لأنها الفاعل الذي يخاف الله ويتقيه، وأي تبديل بين الضمة والفتحة يفسد المعنى وينقلب تمامًا ويفسد العقيدة والدين إن اعتقد المرأ ذلك المعنى الفاسد.
والأمثلة على ذلك كثيرة؛ منها قوله تعالى (وَإِذْ ابْتَلَى إبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ)[البقرة:128]، فالفاعل صاحب الابتلاء (الاختبار) هو (ربُّه) سبحانه وتعالى، والمفعول هو (إبراهيم) عليه السلام، ولو حدث التبديل بين الضمة والفتحة لفسد المعنى أيضًا، ومنه قوله تعالى (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ)(البقرة:133]، وسيطول بنا المقام لو أردنا حصر ذلك لكن أردنا التمثيل فقط، يقول عبد القاهر الجرجاني إمام البلاغيين العرب عن أهمية علم النحو:" وأما زُهُدهم في النَّحو واحتقارُهم له وإصغارُهم أمرَهُ وتهاوُنهم به فصنيعُهم في ذلك أشنعُ من صَنيعهم في الذي تقدَّم وأشبهُ بأن يكونَ صّداً عن كتابِ الله وعن معرفةِ معاينه ذاك لأنَّهم لا يجدونَ بُدّاً من أنْ يَعْترِفُوا بالحاجةِ إليه فيه إذ كان قد عُلمَ أنَّ الألفاظَ مغلقةٌ على مَعانيها حتّى يكونَ الإِعرابُ هو الذي يفتحها وأنّ الأغراضَ كامنةٌ فيها حتى يكونَ هو المستخرِجَ لها، وأنه المعيارُ الذي لا يُتبيَّنُ نُقصانُ كلامٍ ورُجحانهُ حتى يُعرضَ عليه . والمقياسُ الذي لا يُعرف صحيحٌ من سقيمٍ حتّى يُرجَعَ إليه . ولا يُنكِرُ ذلك إلا مَن نَكر حِسَّه وإلا مَن غالطَ في الحقائقِ نَفْسَهُ"[دلائل الإعجاز:42].
إذن النحو والقرآن لا يفترقان، ونشأ النحو للحفاظ على القرآن، ولذلك يعرف أعداء الإسلام أهمية علم النحو بالنسبة للقرآن، فبدلًا من أن يهاجموا القرآن مباشرة فيستفذون أهل القرآن فيحافظون عليه ويدافعون عنه، يحاولون النيل منه بطريق غير مباشر، وذلك عن طريق التنفير من علم النحو وقواعده والتهوين من شأنه، والادِّعاء بصعوبته وجفافه، والاستهزاء من علمائه وكتبه ومسائله، وإظهار مدرسي العربية وخصوصًا النحو العربي في صورة رثة وأنه أقرب لفاقدي العقل وأنهم عفا عنهم الزمن في كلامهم وهيئتهم وتفكيرهم، كقولهم (دكتوراه في حتى) أو أن دراستهم (كلام فارغ) وغير ذلك من صور الامتهان والتقليل من شأنهم، كل ذلك يصب في مصلحة أعداء القرآن والإسلام، فكثير من الناس يتأثر بحملاتهم ضد النحو والعربية ، ويهملونها وبالتبعية يهملون القرآن ولا يفهمونه ولا يطبقونه، فيكتب الله عليهم الشقاء في الدنيا والآخرة،.. وما ذكرته نقطة في محيط أهمية النحو للقرآن الكريم وأهمية القرآن لإسعاد البشرية في الدنيا والآخرة، فهل من معتبر؟؟ وهل هم منتهون عن امتهان النحو ورجالاته؟؟
النحو والقرآن
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة