الدكتور محمد رأفت عثمان.. فى ذمة الله

الشارع المصري
طبوغرافي

جريدة الفتح اليوم

%d8%b1%d8%a3%d9%81%d8%aa-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-1

انتقل اليوم السبت 24 ديسمبرإلى جوار ربه الفقيه الكبير أ.د/ محمد رأفت عثمان، أستاذ الفقه المقارن، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ومجمع البحوث الإسلامية.. عن عمرٍ يناهز 81 عامًا. وكانت "جريدة الفتح اليوم" أجرت هذا الحوار مع المرحوم بإذن الله ؛ الذى دعا فيه جموع المصريين للعودة إلى روح العفو التسامح .. وطالب رحمه الله رؤساء الدول الإسلامية بحفظ الدين ومصالح الناس، وكفالة الحريات.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.

عن البدايات يتحدث لـ”الفتح اليوم ” قائلاً  : ختمت القرآن فى الثانية عشرة من عمرى فقدمت فى المعهد الدينى بالزقازيق الذى درس فيه فضيلة الشيخ الشعراوى رحمه الله، وهو من أربعة معاهد كانت فى عهد الملك فاروق مع معهد إسكندرية وأسيوط وطنطا وفى الشهادات المختلفة حصلت على المراكز الأولى والحمد لله وقد أراد والدى أن ألتحق بأصول الدين، وكنت أرغب فى كلية الشريعة فذهب معى هو وابن عمى إلى كلية أصول الدين للتقديم فكان من حسن حظى أننا لم نجد الموظف الذى يقبل طلبات الالتحاق فتوجهنا إلى كلية الشريعة، وقدمنا بها وقد حصلت على العالية (الليسانس) ثم التحقت بتخصص العالمية فى إجازة التدريس بكلية اللغة العربية.. ثم دبلوم فى علم النفس وقد عينت فى البداية مراقب تدريس بمعهد الزقازيق الديني. وكانت هذه رغبة الشيخ عبد العزيز عيسى، مدير التفتيش بالأزهر والذى أخذنى بعد ذلك منتدبًا لمكتب مدير التفتيش، وقد أصبح وزيرًا للأوقاف بعد ذلك وبعد عامين قدمت للدراسات العليا.. وكان الماجستير عبارة عن دبلومة فى أصول الفقه وأخرى تاريخ الفقه، وقد تقدمت فيهما والحمد لله فعينت معيدا بكلية الشريعة بعد إعلانها عن حاجتها لمعيدين.. وسجلت رسالة الدكتوراه وحصلت عليها فى موضوع (الإمامة العظمى فى الفقه الإسلامي) وأول من سُمى أمير المؤمنين هو عمر بن الخطاب رضى الله عنه، ورئيس الدولة يجب أن يكون قدوة لباقى أفراد الأمة فى التمسك بأحكام الدين كما كان عمر رضى الله عنه.

 
فى المراحل الأولى من العمر من كان قدوة الناشئ محمد رأفت عثمان؟

%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b1%d8%a3%d9%81%d8%aa-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-2
كانت وما زالت قدوتى الأولى هو النبى محمد صلى الله عليه وسلم وقد تعددت قدواتى بعد ذلك فى مراحل التعليم المتقدمة، ففى أداء الواجب والإخلاص فى العمل كان قدوتى الشيخ جاد الرب رمضان، فقد كان حريصًا على أداء عمله بإخلاص، وأذكر أنه ذهب إلى المدرج لإلقاء محاضرة فوجد الطلاب قد خرجوا فى مظاهرة جميعا فجلس فى المدرج مدة إلقاء المحاضرة كاملة، ومن الناحية العلمية كان متميزًا، أما قدوتى فى كتابة الأبحاث فهو الدكتور محمد سلام مدكور، وقد أثر فى أسلوبى الأدبى والبحثي، وفى الجرأة فى الحق قدوتى سيدنا عمر بن الخطاب وأنا أحاول أن أكون قويًا فى الحق مثله خاصة فى مسائل الفتوى والعلم.

كنتم أحد الأربعة الذين جددوا الفقه الإسلامي. من أين جاء هذا التصنيف؟

مركز الأهرم للدراسات الاستراتيجية قام بإعداد دراسة فى كتاب بعنوان (تقرير عن الحالة الدينية فى مصر) وأورد فيه أن هناك أربعة مجددين للفقه الإسلامى هم الشيخ شلتوت والدكتور نصر فريد واصل، والدكتور محمد رأفت عثمان والدكتور خالد محمد خالد، وأتمنى أن يأتى من الأجيال القادمة من هو أفضل مني.

-من خلال بحثكم فى الإمامة العظمى، ما المطلوب من الحاكم المسلم للقيام بحق هذه الإمامة؟

ليس هناك واجب مقدم على واجب الدين، فيجب أن يكون الحفاظ على الدين هو من أهم أدوار الحاكم المسلم.. وقد عرف الفقهاء رئاسة الدولة بأنها “رئاسة العامة فى أمور الدين والدنيا نيابة عن النبى صلى الله عليه وسلم ” فالحاكم يحكم بقوة الشرع والقانون، وعليه أن يغير فى المجتمع من خلال الشرع إلى الأفضل. وأرجو من كل رؤساء الدول الإسلامية أن تكون أولويات عملهم فى حفظ الدين وفى مصالح الناس، ويجب أن يكفلوا جميع الحريات ويجب أن تعمل كل دولة على رقى الشعوب وذلك من خلال التعليم لأن التعليم هو مقياس رقى الشعوب وعلينا أن ننهض به.

هل المجتمع مؤهل لتحكيم الشريعة الإسلامية أم مطلوب تمهيدات معينة لإقامة الشرع؟

تطبيق الشريعة واجب فى كل دولة إسلامية، وعلى الحاكم أن يختار الطريقة التى تناسب ذلك، وأرى أنه من الممكن أن تتم بالتدريج لصعوبة الأوضاع، وحينما طلب أحد أبناء عمر بن عبد العزيز تطبيق الشريعة بكاملها فقال له: ” يا بنى إن الله لم يحرم الخمر مرة واحدة؛ لذلك أطالب بإلغاء الإصرار والترصد فى تنفيذ العقوبات وتغليظها.

%d8%b1%d8%a3%d9%81%d8%aa-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86-2

-هناك موجات من الفتاوى الغريبة، هل هذا يعنى أن الفتوى فى أزمة؟ وكيف يتم ضبط الفتوى؟

أرى أن المسئولية الأولى فى ذلك على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وقنوات تليفزيونية خاصة غير الدينية لأن القنوات الدينية تقوم بواجبها الدينى إلى حد ما، ويجب استضافة العلماء الثقات والفقهاء وهناك من يستضيف أصحاب الفتاوى الغريبة ويستضيفون من يرد عليهم لعمل ضجة وجلب الجمهور والإعلانات وهذا أمر مرفوض وهنا نقول أن الإعلام مقصر وعليه أن يلتزم

من خلال كتابك (العلاقات الدولية فى الإسلام) كيف ترى علاقات الدول الإسلامية بعضها ببعض؟

العلاقة بين الدول الإسلامية ليست نموذجية ولا قريبة من النموذجية والعقل والمنطق والدين ينادون بالوحدة وهذه طبيعة كل العصور، فأمريكا تقود العالم بقوتها وجبروتها رغم أن تعدادها فقط 350 مليون نسمة فعلى الدول الإسلامية عمل اتحاد كالاتحاد الأوربى بداية باتحاد مجموعة من الدول كمصر وليبيا والسودان مثلا والجزائر والمغرب وتونس وكذلك دول الخليج العربي.

ما التحديات التى تواجه الإسلام فى الحاضر والمستقبل؟

لا توجد قوى تتحدى الإسلام لكن التحديات للمسلمين أنفسهم لضعفهم، وهناك قوى عالمية تمنع نشر الإسلام ولو أن الدول الإسلامية أحبت أن تقاوم هذه المحاولات ضد الإسلام، فلديها قدرة على ذلك وكنت فى إحدى البلاد الإفريقية، وجدتهم يأخذون تلاميذ المسلمين من صغرهم ويدخلونهم مدارس تبشيرية.

– شباب الأمة اليوم كيف يقيمهم الأستاذ الدكتور محمد رأفت عثمان من خلال واقعهم الحالي؟

الشباب مشكلتهم الآن ضعف الناحية العلمية ولديهم مشكلة فى العمل والسكن وكلها مشاكل كبيرة لم تؤسس علميا، ونحن منذ ستين سنة لم يكن هناك تعليم على المستوى المطلوب لدولة كبيرة فى مصر، والشباب كله قوة لكنه يحتاج إلى توجيه وتفكير سليم، ولابد من توفير فرصة عمل لكل شاب؛ لأن الشاب الذى لا توفر له الدولة فرصة عمل لن يشعر بالولاء لبلده وعلى الدولة ألا تجور على الشباب.. وعلى الإعلام وعلماء الدين أن يقوموا بدورهم فى دفع الدولة إلى هذا وتقديم الحلول ليعمل كل فى تخصصه.

كيف ترى دور المرأة المصرية الآن فقهيا وعلميا؟ وهل يجوز أن تتولى المرأة الإمامة العظمى لتكون رئيسة للدولة؟

أرى أن المرأة المصرية الآن أفضل حالا منذ ثلاثين عاما؛ وذلك بسبب دور الإعلام فى نشر الفكر الديني.. وغالبية نساء مصر ملتزمات والمتبرجات قليلات فلو نظرت للطالبات فالغالبية محجبات، وأصبحت المرأة أكثر وعيًا، وقد ارتادت المرأة مناصب لم تكن بها من قبل فى الإعلام ورشحت للبرلمان. أما عن إمامة المرأة ورئاستها للدولة فلا يجوز ذلك شرعا وآخر منصب يمكن أن تتولاه هو أن تكون وزيرة؛ لأن الولاية العظمى لها شروطها التى لا تنطبق على المرأة؛ فيجب أن يكون الحاكم رجلا مسلمًا، له صفات القيادة.. والمرأة نفسها تحتاج إلى حماية وهى ضعيفة مهما بلغت قوتها ولما بلغ النبى صلى الله عليه وسلم أن أهل فارس ولوا “بنت كسرى” قال: (لن يفلح قوم ولوا عليهم امرأة).

هناك الكثير ممن يحفظون القرآن الكريم؛ ولكن أين ترى تأثير القرآن فى المجتمع المسلم؟

حفظ القرآن الكريم كان أفضل بنظام الكتاتيب لكنه الآن غير موجود، مع أن القرآن يحتاج تعميم فى الحفظ، وعلى رجال التربية والتعليم أن يفكروا كيف نعيد نظام الكتاتيب إلى جانب المناهج الأخرى؛ لتكون الأولوية لحفظ القرآن الكريم كمنهج للقرآن فى التعليم الأزهري.

كيف تنظر لدور الأزهر حاليا؟

الأزهر الآن له وجود فى الساحة العالمية وبصورة مؤثرة، وهو موضع احترام وتبجيل من العالم كله، وكل مسألة تحتاج إلى رأى الأزهر يبادر شيخ الأزهر بإبداء رأيه فيها وهناك وثائق باسم الأزهر فى كل المحافل الدولية. والأزهر لا ينحاز إلى جهة دون جهة لكنه يجمع ولا يفرق.

ما هى أكثر القضايا الفقهية التى تشغل بال المسلمين، وتكون محل طلب للفتاوى؟

حسب الواقع فإن أكثر الاستفتاءات تأتى فى الطلاق وهى مشكلة اجتماعية يجب دراستها من الناحية الاجتماعية والنفسية؛ لأن هناك عددًا كبيرًا من الشباب يطلق فى بعد الزواج بفترة بسيطة هل لأن الشباب لا يجد المستوى المالى الذى يعيش به؟ وهنا لا بد من توفير فرص عمل تدر دخلًا مناسبًا للشباب حتى لا يتعرض لمشكلة مادية تؤدى إلى نهاية عمر أسرته التى قام بتكوينها.

ما سفريات فضيلتكم للخارج، وماذا كانت مهام تلك السفريات؟

سفرياتى كثيرة ومتعددة، وأهدافها الدراسات والأبحاث التى بلغت أكثر من ستين بحثا، وفى بعض السنوات كنت أشترك فى عدد من المؤتمرات، وهذا بطبيعة الحال جعلنى أسافر إلى معظم دول العالم وقد ألفت 22 كتابا؛ فسافرت معظم دول إفريقيا وأوربا وآسيا وأمريكا ولا أنسى زيارتى للكويت لأن بها الهيئة الشرعية العالمية للزكاة والتى تعقد مؤتمرا كل عام أشارك فيه ببحث مع مجموعة من العلماء، ونخرج بتوصيات وأتمنى أن يكون هناك هيئة مثلها فى مصر، ولا أنسى زياراتى إلى الدنمارك وهولندا وألمانيا والتى ألقيت فيها بحثا عن الاستنساخ وقد ناقشت علماء كثيرين فيها.

لديكم بحث علمى عن (الجينوم) فى الاستنساخ. ما حكم الاستنساخ شرعا؟ وهل يمكن استنساخ العظماء؟

الاستنساخ لا يجوز شرعا والعالم الذى قام باستنساخ النعجة دوللى حذر من استنساخ الإنسان لما له من خطورة كبيرة؛ لأن الاستنساخ سوف يكون فقط فى الشكل الخارجي، وليس فى الصفات؛ فلو حاولنا استنساخ عالم لن يكون هذا الاستنساخ إلا فى الشكل الظاهرى فقط؛ لأن الجينات ثلاثية الأبعاد والجينات الوراثية؛ لها تأثير وكذلك البيئة لها تأثير والموضوع لا زال مفتوحا فى التقدم العلمى فمن الممكن مستقبلا أن يتم هذا الأمر مع زوجين لا ينجبان ساعتها سيكون هناك رأى آخر للفتوى، وموضوع الاستنساخ قائم على استبدال نواة البويضة بنواة أخرى لها صفات معينة والهدف فى استنساخ النعجة دوللي، كان الحصول على نوع من الأغنام له قدرة كبيرة فى إنتاج لبن بصفات معينة

ما الرسالة التى تحب أن توجهها عبر “الفتح اليوم” للمصريين؟

أوجه رسالة للمصريين، وأتمنى أن ترجع روح المصرى المعروفة بالتسامح والعفو وكان المصرى الأصيل يتنازل عن حقه لأخيه، وهذا من عظيم الأخلاق ولم يكن هناك انتقام ولا قسوة ولا عنف كما هو موجود حاليا وأدعو الله أن نعود مصريين بسطاء طيبى القلب متسامحين.

المهمة الأولى للرؤساء حفظ الدين ورعاية مصالح الناس..والأزهر يحظي باحترام وتبجيل العالم كله

أطالب بإدراج الكتاتيب فى المرحلة الأولى للتعليم العام والأزهر

%d9%85%d8%ad%d9%85%d8%af-%d8%b1%d8%a3%d9%81%d8%aa-%d8%b9%d8%ab%d9%85%d8%a7%d9%86

محمد رأفت عثمان
ولد فى مشتول السوق بمحافظة الشرقية . 
أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر  
أحد الأربعة الذين جددوا الفقه الإسلامي.
له 28 مؤلفًا منها: النظام القضائى فى الفقه الإسلامى- المادة الوراثية الجينوم (قضايا فقهية).