الهدايا التى تقدم لأى موظف “رشوة “ طالما هدفها الحصول على منفعة
الرشوة مرض خطير وداء عضال ظهر فى كلّ الأزمنة والعصور وانتشر وتكاثر فى بلادنا ، وهو آفة تجرّأ عليها الكبير والصغير والغنى والفقير والحاكم والمحكوم واستحلّها المجهول والشَّهير رغم أنها كَسْبٌ خبيث، وسلوك سيئ قبيح، صنفها العلماء من كبائر الذنوب، واعتبروها من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل ولها عواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، فتضيع الحقوق على أصحابها، وتدمر المبادئ والأخلاق الكريمة، وتهدر الأموال والمصالح العامة والخاصة، وتتعرض الأنفس للخطر، ويشيع الفساد، وينتشر الظلم، وتختل موازين العدالة.
يؤكد جمال عبد الجواد رئيس وحدة استطلاعات الرأى بمركز الأهرام
للدراسات الاستراتيجية أن نسبة الرشاوى بين أصحاب الأعمال للموظفين تبلغ 42% فى مرحلة تأسيس المشروعات.
وأضاف عبد الجواد أن الدراسة التى أجريت فى 6 محافظات مصرية واستغرقت 23 يومًا وتم تطبيقها على مشروعات صغيرة ومتوسطة يتراوح عدد عمالها ما بين 5 عمال إلى ما فوق 100 عامل، كشفت أن 74% ممن كانوا على استعداد لدفع ما هو غير قانونى دفعوا بالفعل، 27 % فقط من لم يفكروا فى الدفع دفعوا أيضًا، بينما 39% ممن يقاومون دفع هذه المبالغ القانونية استجابوا ودفعوا.
ويرى عبد الجواد أن أعداد المستعدين لدفع الرشاوى فى تزايد مقارنة ممن يقاومون دفع الرشاوى الذين تتجه أعدادهم الى التراجع، مشيرًا إلى أن “ شيوع الظاهرة والوعى بها يجعل الراغب فى المقاومة مستعدًا للتسليم إذا ظن أن معركته خاسرة”.. يرى الدكتور أحمد زايد الأستاذ بجامعة القاهرة أن ارتفاع أعداد المستعدين لدفع رشاوى يعكس تزايد إحساس المواطنين وشكوكهم فى عدم الحصول على حقوقهم بدون دفع هذه الرشاوى، مشيرًا أن دفع المواطنين للرشاوى سواء بالرضا أو بالإكراه يعكس ظاهرة موجودة فى المجتمع وهى تقبل هذا الأمر والاعتياد عليه.
واعتبر أن الأمر يحتاج لدراسة منظومة القيم فى المجتمع المصرى بعدما أصبحت الرشوة ثقافة شعبية والناس أصبحت تراها أسلوبًا شعبيًا.
تطالب د. سهير عبد المنعم الخبيرة بالمركز القومى للبحوث أولا بإعادة النظر فى القوانين التى تقنن الفساد وتحميه وأن تكون العقوبة رادعة للكبار قبل الصغار، وأن يحاسب الجميع دون الحصول على إذن من الوزير أو الجهة المختصة التى غالبًا لا تمنح هذا الإذن وأن تكون هناك رغبة وإرادة سياسية لتحقيق ذلك بالفعل فى الواقع. ثم إن تتغير منظومة الحياة نحو مزيد من الشفافية والديمقراطية التى من شأنها أن تفضح الفساد وتكشفه لا أن تخفيه وتتستر عليه وهو ما يحدث فى كل النظم الغربية المتقدمة.. يقول محمد سليمان خبير اقتصادى: إن الخطورة فى المسألة تتمثل فى كون الرشوة هى الأساس والطبيعى وما دونها يعتبر مخالفًا وأصبحت الرشوة عادة بين رجال الأعمال بداية من المواطنين البسطاء إلى أكبر رجال الأعمال.
وقد تفشت الظاهرة نتيجة لغياب الوازع الدينى والنشأة الأخلاقية فإذا كان هذا يحدث بين وكلاء الوزارة الذين يبلغون من العمر أرذله فما بالك بالجيل الصاعد وخاصة وسط إعلام غير واع فنرى فى المسلسلات الراشى والمرتشى بدون حتى التحفظ على ما يفعلون، لذلك ظهرت الأمثلة كثيرة مثل رؤساء أحياء وغيرهم.
يقول عمرو مرتجى أستاذ الإدارة والاقتصاد: إن الرشوة موجودة منذ القدم فكان يقال إن الشخص “يتبرطل” أى أنه يعتمد على الرشوة، واستخدام وظيفته فى ذلك، و أرى أن المسألة مشتركة بين رجال الأعمال والحكومة، ويجب على كل كليات الإدارة تدريس مادة أخلاقيات المهنة لأننا نسير فى طريق خطير، فبالرغم من أن الرشوة موجودة فى كل مكان وزمان إلا أنها فاقت الحد فى بلدنا مصر.كشفت دراسة عن الرشوة أعدها د. عبدالمحسن جودة أستاذ إدارة الأعمال بجامعة المنصورة أن ما يتم اكتشافه من جرائم الرشوة فى مصر لا يتجاوز 5% فقط وأن 95% منها تتم فى أمان تام.
وأوضحت الدراسة أن الذين لا يحملون مؤهلات علمية يفضلون أسلوب الرشوة بنسبة 94% ويليهم المؤهلات غير الجامعية بواقع 86% ثم الجامعيون وحملة الدبلومات العليا والدكتوراة بنسبة 47%.
وتقول د. إجلال حلمى أستاذ علم الاجتماع جامعة عين شمس: إن الرشوة موجودة ويتم تبريرها من جانب الراشى بضرورة إنهاء مصالحه ومن جانب المرتشى بأن راتبه لا يكفى المعيشة وفى النهاية يتم اغتصاب حقوق الآخرين بداية من تخطى الطابور بسيجارة وحتى الحصول على أراضى الدولة بدون وجه حق، لدرجة أنها أصبحت جزءًا أساسيًا من ثقافة شعبنا، ويجب على الدولة محاكمة هؤلاء المسئولين علانية وأمام الشعب حتى يكونوا عبرة لغيرهم وأن يوقظوا الضمير الغافل لمن يتاجرون بأحلام البسطاء ودفع الرشاوى والعمولات.
يرى حامد زهران أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس أن شعور المواطن الذى يمتلكه إحساس بأنه يعمل ويتعب لغيره فهو يكدح طوال النهار من أجل حفنة قليلة من الجنيهات فى نفس الوقت الذى يتقاضى فيه الكبار ملايين الجنيهات مما يدفعه للوقوع فى شباك الرشوة واعتبارها جزءًا من حقه المسلوب وشيئًا فشيئًا يصبح مرتشيًا كبيرًا ويتحول من سمكة إلى حوت وبالطبع يتعلم منه مرءوسوه.
ويؤكد أنه يجب التصدى للمرتشين بكل حزم وتفعيل القوانين ورفع الأجور بما يتناسب مع مصروفات الحياة الباهظة مع معاقبة رجل الأعمال الذين تثبت إدانتهم مع الموظف المرتشى بأشد العقوبة على أن تكون علانية. علمًا بأن هناك نماذج مشرفة أمثال مهندسه الحى التى رفضت مليونى جنيه رشوة وراتبها لا يتعدى خمسمائة جنيه، فالخير موجود ويجب علينا رعايته والحفاظ عليه.
تقول د. سامية خضر أستاذ علم الاجتماع: ظاهرة الرشوة تعود الى التأثير السيئ للإعلام حيث يظهر المرتشون دائما على أنهم من العظماء ورجال المجتمع مما يعطى صورة سلبية بالتأكيد فى وجدان الناس، ومن ناتج الرشوة الخطيرة أنها تساعد على إيجاد حقد طبقى بين من لا يملك على من يملك، وتؤكد أن الحل فى إنشاء قوانين رادعة ويتم تطبيقها.دراسة حديثة صادرة عن مركز بيوبول للأبحاث بأمريكا: أكدت أن مصر جاءت فى المركز الثانى من حيث التعامل بالرشوة بين المواطنين وكافة المصالح الحكومية.
واعتبرت الدراسة أن الرشوة قد أصبحت جزءًا متممًا للاقتصاد المصرى وأصبحت كالماء والهواء بالنسبة لمن يتلقونها ويعتبرها البعض حقًا مشروعًا تحت بند إكرامية أو تخليص مصلحة ولا يتم الحصول على حقك إلا إذا فتّحت مخّك وجيبك.
يقول حامد أبوطالب أستاذ الشريعة والقانون جامعة الأزهر: إن الإسلام العظيم حرم الرشوة وجعلها جريمة يستحق فاعلها العقوبة وهى عقوبة تعذيرية بمعنى أن أمر الفاعلين يفوض للولى ويعاقب الراشى والمرتشى لتحقيق هدف التأديب. فلاشك أن جريمة الرشوة تخل بالمجتمع من حيث أخذ حقوق الآخرين وهى تقترب من جريمة السرقة بل تزيد لأنها تمس عددًا كبيرًا من المواطنين ويجب على المواطن التمسك بحقه حتى النهاية وإذا تعذر ذلك فعليه الرشوة دون إثم، وعلى المرتشين أن يفرقوا بين الرشوة والأتعاب وعدم إدخال الاثنين فى بعضهما ومصارحة صاحب الأمر بذلك حتى لا يأثم على الرشوة دون علم منه.
بينما يعلق د. محمد الأحمدى أبو النور وزير الأوقاف الأسبق قائلًا: إن من حق الإنسان أن ينهى مصالحه المتعطلة بدفع رشوة مكرهًا دون تحمل الإثم، ولكن إذا كان ذلك من أجل الحصول على حقوق الآخرين فيعد ذلك إثمًا عظيمًا، وأرجو أن لا يفهم حديثى على أنه اتفاق ضمنى لدفع الرشوة، ولكن عندما يتعذر الأمر ولم يجد الإنسان غير الرشوة سبيلًا لإنهاء مصالحه وإن تمت مصالحه بدون الرشوة فهو أفضل.
يقول المستشار أحمد سعد رئيس قسم القانون بحقوق القاهرة والمستشار السابق بمجلس الدولة: إن القانون رادع لمثل هذه الحالات ولكن المشكلة أن الرشوة بين اثنين الموظف والمواطن الذى يريد إنهاء مصالحه ويجب أن يقوم أحدهما بالإبلاغ عن الحالة حتى يتم تعقب الجريمة والقبض عليهما متلبسين وكما يقال قديمًا إذا تنازع اللصان ظهر المسروق، وللأسف هناك مظاهر كثيرة للرشوة، فالرشوة المادية بالفلوس أو عينية كشراء سيارة أو شقة مثلًا، وقد أمرنا ديننا الحنيف بأن الراشى والمرتشى فى النار، لذلك قضت المادة (107) من قانون العقوبات بأن يعفى الراشى من العقاب فى حالة ثبوت الضغط عليه أو لإبلاغه بوقائع الجريمة قبل حدوثها ويجب على الحكومة الردع مع موظفى الدولة وتعديل لائحة الأجور مع غلق أبواب السلطة التنفيذية بمنع أشياء وإباحتها على حسب الهوى.
الرشوة .. كَسْبٌ خبيث تُضيّع حقوق العباد
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة