الفقر من أهم الأمراض والمشكلات التي تؤثر على عقيدة وأخلاق وسلوكيات وفكر وثقافة الفرد والأسرة والمجتمع، ولقد اهتم الإسلام به اهتمامًا بالغاً، ووضع الضوابط التي تحجمه وتكبح طغيانه والحلول التي تعالج أسبابه بهدف المحافظة على الأمة.
يقول الدكتور حسين شحاتة أستاذ الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر
، لقد مّن الله سبحانه وتعالى على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بنعمة الغنى بعد الفقر فقال له: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوَى * وَوَجَدَكَ ضَالّاً فَهَدَى * وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى)، «سورة الضحى: الآيات 6 - 8»، كما مّن على قريش بنعمة الطعام والأمن بعد الجوع والخوف فقال: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ)، «قريش الآيتان: الآيات 3 - 4»، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن ندعو الله: «اللهم إني أعوذ بك من الكفر والفقر، اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر» ويقول أيضاً: «اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقلة والذلة وأعوذ بك من أن أَظلم أو أُظلم».
ويربط الفقهاء بين الفقر وعقيدة الإنسان وسلوكياته، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «كاد الفقر أن يكون كفرا»، كما أن الفقر يهيئ النفس البشرية ضعيفة الإيمان لتنحرف إلى مسالك الفاسقين والمرتشين والمنافقين واللصوص وقرناء الشياطين ومن في حكمهم، كما أنه يولد عند بعض الناس الحقد والكراهية والبغضاء وكافة صور الأخلاق السيئة.
كما أن للفقر آثاراً سيئة على خلق وسلوكيات الفرد غير المنضبط إسلامياً مثل: ارتكاب الفواحش والتعاون مع عباد الله غير الصالحين.
ومن أخطر آثار مشكلة الفقر، أنه قد يفقد المسلم حريته في إبداء رأيه، ويعتمد أعداء الإسلام على سلاح التجويع في إذلال الفقراء كما يستخدم هذا السلاح الدول الغنية للسيطرة على فكر وثقافة الدول الفقيرة، ويعتبر الحصار الاقتصادي الذي فرضته قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة نموذجاً من استخدام سلاح التجويع ليجعل هؤلاء المسلمين يرتدّون عن دينهم، ولكن صبروا وثبتوا فكانوا نموذجاً فريداً لثبات المسلم على عقيدته ضد الكفر والفقر.
لقد وضع الإسلام مجموعة متكاملة من الوسائل العملية الجادة لمعالجة مشكلة الفقر على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع منها على سبيل المثال، العمل الجاد والضرب في الأرض ابتغاء الرزق الطيب الحلال، ومن سبل علاج مرض الفقر التي أرشدنا إليها القرآن الهجرة في الأرض ابتغاء الرزق الحلال الطيب، ولقد أمرنا الله بذلك، فقال: (وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً...)، «سورة النساء: الآية 100»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «سافروا تستغنوا»، والأمة الإسلامية مليئة بالخيرات والطيبات فلماذا لا يهاجر المسلم الفقير من بلد إلى آخر للعمل وابتغاء الرزق الحلال الطيب لمعالجة فقره، بدلاً من أن يعيش عالة على الناس أعطوه أو منعوه.
يجب أن يكون هناك تعاون وتنسيق وتكامل بين البلدان الإسلامية والعربية في محاربة الفقر يقول الله تبارك وتعالى: (...وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى...)، «سورة المائدة: الآية 2»، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من بات شبعاناً وجاره جوعان». وأشار القرآن إلى علاج آخر لمرض الفقر، وهو زكاة المال والصدقات التطوعية والتكافل الاجتماعي، والذي يعد من أهم الأساليب لمعالجة الفقر وكافة الأمراض والأوجاع والأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فيقول عز وجل: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ)، «سورة التوبة: الآية 60»، كما أن نظام الصدقات والكفارات والتكافل الاجتماعي من أبرز سمات المنهج الإسلامي لمعالجة الفقر علاجاً كريماً طيباً، ومن النماذج العملية لتطبيق نظام الزكاة والصدقات في عهد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عندما فاضت حصيلة الزكاة عن حاجات الفقراء والمساكين، فأمر المنادي أن ينادي في الناس: «أين الناكحون أين الغارمون؟».
الزكاة والصدقات علاج ربّاني لأزمات الفقر
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة