"شعبان" ترفع فيه أعمال العباد السنوية..والمتخاصمون أول المحرومين من بركاته

العالم الإسلامي
طبوغرافي

شهر شعبان من الأشهر المفضلة إلي الله عز وجل، ونال من توجيه النبي صلي الله عليه وسلم والاهتمام به درجة عالية، فضلا عن الترجمة العملية لذلك من خلال إكثاره صلي الله عليه وسلم من الصيام فيه. ولم لا، وهو شهر ترفع فيه أعمال العباد خلال عام مضي، والكل يرجو المغفرة والرحمة، وببركته يغفر الله لجميع خلقه المؤمنين، إلا فصيلا أبوا أن يكونوا من هؤلاء الخلق المغفور لهم، وإن صلوا وصاموا!. إنهم المتشاحنون المتخاصمون الذين حرموا أنفسهم من بركة هذا الشهر الكريم "شعبان".

وهو شهر حافل بالذكريات الإسلامية العظيمة فهو الشهر الذى انتصر فيه النبى فى غزوة بنى المصطلق وكانت فيه حادثة الافك وفيه تزوج النبى بالسيدة حفصة بنت عمر بن الخطاب ولكن أبرز ما حدث فيه هو تحويل القبلة من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.

في البداية يوضح الدكتور حلمي عبدالرءوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر أن أعمال العباد ترفع إلي الله تعالي بثلاث صور طوال العام، ترفع بشكل يومي، وبشكل أسبوعي، وبشكل سنوي. ترفع يوميا بعد صلاتي الصبح والعصر"، لقول النبي صلي الله عليه وسلم: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم، وهو أعلم بهم، كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم، وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون"وترفع أسبوعيا يومي الاثنين والخميس، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُعْرَضُ أَعْمَالُ النَّاسِ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّتَيْنِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عبد مُؤْمِنٍ إِلا عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: اتْرُكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَفِيئَا"، أي يرجعا ويصطلحا.

أما العرض السنوي فيكون في شهر شعبان، وقد سئل رسول الله صلي الله عليه وسلم: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَرَكَ تَصُومُ شَهْرًا مِنْ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: "ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ".

وورد عن النبي صلي الله عليه وسلم انه قال "يطلع الله علي خلقه في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن". وهذا يؤكد أن الإصرار علي التخاصم والمشاحنة والبغضاء بين المسلمين يحول دون رحمة الله لهم وشمولهم ضمن واسع مغفرته، لأن الدين الإسلامي يدعو للوحدة ولم الشمل والتآخي والتراحم والتواصل، وليس الهجر والبغض والكراهية.

ويقول الدكتور السعيد محمد علي من علماء وزارة الأوقاف: أخطأ من ظن أن العلاقة بالله تختلف عن العلاقة بالعباد أو العكس، فكثيرا ما نري أناسا يحسنون العبادة كأن يحرصوا علي الصلاة وصيام الفريضة والنوافل، ولكنهم لا يحسنون في علاقتهم بالعباد، ولا يشغلهم هذا الأمر، لأجل هذا أوقف الله تعالي في كثير من الأمور أعمال العباد الذين أحسنوا في جانب العبادات وأساءوا في جانب المعاملات، حتى يحسنوا إلي إخوانهم، إذ إن الواجب أن يكون الإحسان في كلا الأمرين، فلا تكون العلاقة بالله إيجابية والعلاقة بالعباد سلبية.

وحيث إن شهر شعبان ترفع فيه أعمال الخلائق إلي الله، فإن الله يغفر فيه لخلقه أجمعين، إلا لمن أشرك أو أضمر في نفسه كراهية وشحناء لأخيه، فعن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال "إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله علي خلقه فيغفر للمؤمن ويملي للكافر ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه"، وفي حديث آخر عن المتخاصمين والمتشاحنين "أنظروا هذين حتى يصطلحا".

ولعل الحديث هنا ساوي بين المتخاصمين ظالمهم ومظلومهم، حثا لهما معا علي التقارب ونبذ الخلاف والتشاحن وترك الإحن والبغض وإنهاء الخصومة، طلبا للغاية الأعظم وهي مغفرة الله، فلا شك أن كلا الطرفين المتشاحنين في أمس الحاجة إلي رحمة الله ورضوانه وعفوه ومغفرته، وهي دعوة عامة لكل مخاصم أو قاطع رحم أو عاق لوالديه أو لوطنه أو لأي أحد من الناس ان يتخلي عن كل ذلك في هذه الأيام المباركة طلبا لهذا الفضل الواسع الذي لا يأتي غل كل عام مرة واحدة.

وأضاف د. السعيد أن دعوة الإسلام للصلح واضحة في كثير من المواضع فقال تعالي: "فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم"، "إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم"،". والصلح خير"، فليبحث كل منا عمن بينه وبينه خصومة أو مشاحنة وليبادر هو بالصلح ليس، لأنه أخطا وإن كان ذلك الأولي علي كل ذي خطأ، ولكن لأنه أمر إلهي وتوجيه نبوي "لا يحل لامرئ مسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فيلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام"،