شهدت ليلة النصف من شعبان حدثاً في غاية الأهمية في تاريخ الأمة الإسلامية وهو تحويل القبلة من المسجد الأقصى في القدس الشريف إلى الكعبة المشرفة في مكة المكرمة، نرصد في السطور التالية آراء العلماء في الحكمة من وراء تحويل القبلة وكيفية إحياء المسلمين لتلك الليلة.
بداية يقول الدكتور سالم عبد الجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق: شهر شعبان شهر مبارك احتل مكانة رفيعة لدى النبي صلى الله عليه وسلم وكان شعبان هو أكثر الشهور، التي يصومها ولعلَّ من أهم الأحداث التاريخية التي شهدها شهر شعبان حادث تحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة في السنة الثانية للهجرة حيث إن الرسول عليه السلام قد استمر ستة عشرة أو سبعة عشر شهراً على اختلاف الروايتين يصلي إلى بيت المقدس وكان يحب قبلة أبيه إبراهيم، كما كان يقلب بصره في السماء ويتمنى ذلك كما يقول الله تعالى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ...)، «سورة البقرة: الآية 144».
وبلا شك فإن حادث تغيير القبلة حادث عظيم ولهذا سجله القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة يقول البراء إن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن تكون قبلته قبل البيت الحرام وأنه صلى أول صلاة العصر وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر على أهل المسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله لقد صليت مع النبي قبل مكة المكرمة فداروا كما هم قبل البيت الحرام وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قبل البيت الحرام رجال قتلوا لم ندر ما نقول فيهم فنزل قوله تعالى: (... وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ...)، «سورة البقرة: الآية 143». ويقول: من اهم دلالات تحويل القبلة ترابط الشرائع السماوية وتكاملها لأن شريعة الإسلام جعلت من بيت المقدس الذي هو قبلة الأنبياء السابقين وأممهم قبلة أولى لأمة النبي صلى الله عليه وسلم ثم شاء الله أن يهدي رسوله وأتباعه إلى الصراط المستقيم فأمرهم أن يولوا وجوههم شطر المسجد الحرام الذي رفع قواعده إبراهيم وساعده إسماعيل عليهما السلام.
والدلالة الثانية إرضاء الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وتحقيق رغبته والاستجابة له ويسير ذلك في إطار وعد الله للنبي بأنه سيعطيه حتى يرضى كما قال في سورة الضحى: (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى)، كذلك فإن تحويل القبلة إلى البيت الحرام جاء لأن به الكعبة المشرفة رمز الأمن والأمان منذ آدم وحتى يوم القيامة.
ذكريات مجيدة
الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق عضو مجمع البحوث الإسلامية يقول: شهر شعبان من الأشهر المباركة التي يضاعف الله فيها الحسنات والثواب لعباده العاملين الصالحين ومن أبرز مآثر هذا الشهر استجابة الله تعالى لدعوة نبيه وتغييره القبلة من المسجد الأقصى للمسجد الحرام ،وأن الله تعالى عندما أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالتوجه إلى المسجد الأقصى إنما كان يريد أن يظهر للناس أن النبي لم يكن بدعا من الرسل وإنما كان واحداً من الأنبياء مرسل للتأكيد على وحدانية الله تعالى والدليل أن وجهته هي وجهة الأنبياء من قبله وبعد أن استقر هذا المعنى في أذهان الناس أمر الله رسوله والمسلمين أن يتوجهوا في صلاتهم للمسجد الحرام وكان في هذا التوجيه الجديد استقامة للأمر الذي سيظل معمولاً به إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وفي هذا رمز إلى أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد جاء بما تحتاج إليه الإنسانية هو الكتاب الذي يمثل الكلمة الأخيرة لله في الكون وبهذا جمع الإسلام ما تفرق على ألسنة الرسل وهكذا يفهم حادث تحويل القبلة من بيت المقدس للمسجد الحرام، كما يفهم المغزى العظيم لوحدة الرسل في الدعوة إلى التوحيد بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين معه إلى المسجد الأقصى طوال سبعة عشر شهراً.ويوضح الدكتور عبد المقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامي وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن للمولى حكمة من وراء كل تشريع، فهو سبحانه أعلم بما يُصلح عباده في الدنيا والآخرة، لذا شرع لهم من الأحكام ما يحقق لهم خيري الدنيا والآخرة، وقد اقتضت حكمته سبحانه أن تكون قبلة المسلمين في بداية أمرها قِبَلَ بيت المقدس، ثم نسخ هذا الحكم لحكمة يعلمها سبحانه، وجاء الأمر بالتوجه قبل الكعبة المشرفة، أول بيت وضع للناس ثم جاء الأمر بعدُ من الله تعالى بالتوجه إلى البيت الحرام: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ...).
تحويل القبلة .. ترابط للشرائع السماوية وتكاملها
طبوغرافي
- حجم الخط
- الافتراضي
- وضع القراءة